أهمية التعددية في المجتمع
أهمية التعددية في المجتمع
يتخذ المجتمع العلمي شكلًا هرميًّا يتكون من الأساتذة المُثَبتِين أصحاب الخبرات على قمة الهرم، يليهم الباحثين وطلبة الدكتوراه الذين غالبًا ما يعملون تحت إشراف هؤلاء الأساتذة، بينما تقع فئة الاختصاصيين الفنيين في قاعدة الهرم، وهذا الهيكل جديد نسبيًّا في مجال العلوم، فالصورة المعروفة سابقًا هي أن البحث العلمي كان مجالًا للأفراد الشغوفين بالعلوم وحتى الهواة، وعلى أيدي هؤلاء تم نشر أهم الأبحاث العلمية في التاريخ، إلا أن القفزة العلمية التي حدثت مؤخرًا جعلت المجالات العلمية شديدة التعقيد والتشعب، فأصبحت تتطلب التخصص الكامل للعلماء أي أنها وظيفة عمل بدوام كامل، فنجد أن الأبحاث تصدر من مجموعات من الباحثين يعملون معًا على موضوع واحد ويقدمون استنتاجات بناء على التجربة والملاحظة بالاستعانة بالفنيين.
ولأهمية الدوافع الاقتصادية وتأثيرها الكبير في الآلة العلمية، فإن عملية البحث العلمي تعتمد كليًّا على التمويل الذي يمكنها من الاستمرار، وهذا الأمر لا يؤثر فقط في اختيار الموضوعات الخاضعة للدراسة، وإنما يؤثر كذلك في الجدول الزمني المتاح للباحثين حتى يصلوا إلى نتائج وأرقام حقيقية، فمع وجود عامل المنافسة يكون الفوز لمن يتمكن من النشر أولًا، حتى وإن كانت الورقة البحثية ليست بالجودة الكافية، لأن هذا النموذج يفضل الكمِّ على الكيف، وهو أيضًا يتحامل على أفراده، فقد يقوم العمال الفنيون والتقنيون بالكثير من العمل والإسهام في الحركة العلمية(وهو ما يحدث في أغلب الأحيان)، ولكن التقدير دائمًا ما يُسَلَّط على القليل، فبعض الأوراق البحثية تُنْشَر بأسماء الباحثين أصحاب الشهرة حتى وإن كانوا بلا إسهام فعلي.
تقترح الكاتبة شكلًا آخر لهذا المجتمع، شكلًا دائريًّا يحترم اختلاف الوظائف وتعددها وكذلك القدرات بين أفراده بدلًا من تقييمها بصورة مستمرة والحط منها لصالح قدرات أخرى، وفي هذا النموذج تعود فائدة البحث العلمي على جميع القائمين به، وليس فقط من هم في أعلى الهرم.
الفكرة من كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
لقرون عديدة اقتصر مجال البحث العلمي والاختراع على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، ويمكن أن نرى بسهولة الهيمنة الكاملة للعنصر الذكوري في هذا المجال، ليس فقط لأن أغلب المساهمين في البحث العلمي رجال، بل لأن السمات التي تميز المجتمع العلمي وتصف طبيعة الحياة العلمية بشكل عام تحمل صفات ذكورية خالصة، نتيجة أن التهميش الذي طالما تعرضت له النساء بصورة فردية امتد ليشمل الجانب الأنثوي ككل، هذا الجانب يشمل كل العناصر والصفات البشرية التي يغلب عليها الطابع الأنثوي كالعاطفة والرغبة في الاتصال بالبيئة والنسبية في الأحكام، وبتجاهل هذه الصفات صار العلم مجالًا يتصف بالاختزال والموضوعية المطلقة معتمدًا بشكل كامل على جمع البيانات وتحليلها ثم استدلال النتائج.
هذه العملية المنهجية من ناحية أنتجت لنا التقدم الهائل والحياة المليئة بالرفاهية التي نعيشها اليوم، ومن ناحية أخرى تسببت في ظهور مشكلات بيئية وأزمات أخلاقية، وكذلك صناعة أسلحة فتاكة أودت بحياة الملايين، ولا يملك العلم القدرة على مواجهة هذا الجانب المظلم إذا ظل ملتزمًا بالحياد ولم يتحلَّ بالروح الإنسانية المطلوبة، التي تسعى لرؤية الصورة الكاملة وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتصنع القرارات بمرونة وتفهم.
في صفحات هذا الكتاب نستعرض رؤية جديدة للعلوم متأثرة بالطبيعة والشخصية الإنسانية بناءً على نظريات “كارل يونج” عن الوعي ومحاور الشخصية للوعي Personality Axis، بالإضافة إلى نصائح عامة ونقد صريح لسلوكيات شديدة الضرر تنتشر في المجتمع العلمي كما تراها الكاتبة.
مؤلف كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
ليندا جين شيفرد: هي دكتورة وعالمة؛ حاصلة على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في مجال الأحياء من جامعة مارسيل، ونالت درجة الدكتوراه في علم الكيمياء الحيوية بجامعة بنسلفانيا. دفعها شغفها الكبير بالطبيعة والكائنات الحية إلى العمل باحثة في هذه المجال، كما نشرت عشرات الأوراق العلمية، وهي تبدي كذلك اهتمامًا كبيرًا بعلم النفس والنظريات المتعلقة بأساليب عمل العقل الإنساني وعلاقتها بالأحلام وتشكيل اللا وعي، وهو ما جعلها تخصص بحث الدكتوراه الخاص بها عن آلية عمل التخدير، وذلك لارتباطه القوي بفكرة الوعي في الإنسان. حاز كتابها “أنثوية العلم” على جائزة الكتاب بولاية واشنطن لإسهامه في طرح أفكار لنموذج علمي أكثر شمولًا من سابقه، ولإعادة النظر في دور النساء الحالي في مختلف العلوم.
معلومات عن المترجمة:
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهي حاصلة على الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، والماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند “كارل بوبر”، وكذلك الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع مبدأ اللا حتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية. أسهمت في إثراء الثقافة العلمية عن طريق نشر المقالات العلمية والترجمات المختلفة؛ ومنها “مفهوم المنهج العلمي” و”ركائز في فلسفة السياسة” و”فلسفة الكوانتم”.