وسائل تحصيل العلوم
وسائل تحصيل العلوم
لفهم كيفية ارتباط النموذج العلمي بالرجال، تشرح الكاتبة كيف يختلف أسلوب الاستيعاب والتعلم لدى الذكور مقارنة بالإناث، في النموذج العام لتحصيل العلوم (الذي يتطابق مع النموذج المنتشر بين الرجال) تبعًا للباحث “ويليام بيري” توجد أربع مراحل: أولها الازدواجية الأولية التي تفرق بين العلم والجهل، أي أن المعرفة تكون جزءًا كاملًا لا يخضع للنقد ويمثل الحقيقة المطلقة، تلي هذه المرحلة مباشرةً مرحلة التعددية، وفيها يدرك المتعلم أن تلك المعرفة ليست وحيدة في سياق الحقيقة، وإنما هي إحدى الصور المتاحة للعلم، وفي المرحلة الثالثة تظهر فيها نسبية المعرفة وضرورة وجود نقطة مرجعية للنقد والتدقيق، وأخيرًا تصل الرحلة إلى نهايتها عندما يجد المتعلم نفسه على وعي بالنسبية الكاملة للعلم، وحاجته إلى سياق وبناء منطقي حتى يحقق نتائجه مع الأخذ بالاعتبار أنه قابل للتغيير والتعديل.
وفي كتاب “طرق المعرفة للنساء” للكاتبة “ماري بلينكي” نجد أن طرق الإدراك والتعلم قد تسلك مسارات غير التي يصفها “بيري”، هذا المسارات والطرق حسب وصف الكاتبة تبدأ بالمعرفة المجردة تمامًا مثل المرحلة الأولى في النموذج السابق، ولكنها تتطور لتحمل طابعًا شخصيًّا يعبر عن أفكار المُتَعَلِم وانطباعاته، وتمر هذه العملية بمرحلة التحليل والنقد والتدقيق باستخدام المنطق حتى تتحول إلى حقيقة مركبة ومعرفة ذات جانبين، أحدهما موضوعي يستند إلى العقل، والآخر شخصى يُنْسَب إلى تجارب المتعلم وخبراته التراكمية في الحياة، إلى جانب عناصر المُنَاسَبَة والأولوية.
تشرح الكاتبة أن نموذج “بلينكي” يحتوي على ميزة مهمة يفتقدها نموذج “بيري”، وهي أنه يقوم بدمج شخصية المتعلم في العلمية ولا يَحْصُر دَوْرَه على المشاهدة فقط، ما يجعل هذه العملية مُحَفِْزَة ومجزية في الوقت ذاته أنها تمثل فرصة لاكتشاف الذات وإعادة الربط بين المفاهيم التي تُشَكِّل العالم في منظورنا، ونتيجة لذلك يمكننا أن نرى الصورة الأكبر بوضوح من خلال عملية التفكير التي تقترن بالوعي بالذات.
الفكرة من كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
لقرون عديدة اقتصر مجال البحث العلمي والاختراع على الرجال لأسباب اجتماعية وثقافية، ويمكن أن نرى بسهولة الهيمنة الكاملة للعنصر الذكوري في هذا المجال، ليس فقط لأن أغلب المساهمين في البحث العلمي رجال، بل لأن السمات التي تميز المجتمع العلمي وتصف طبيعة الحياة العلمية بشكل عام تحمل صفات ذكورية خالصة، نتيجة أن التهميش الذي طالما تعرضت له النساء بصورة فردية امتد ليشمل الجانب الأنثوي ككل، هذا الجانب يشمل كل العناصر والصفات البشرية التي يغلب عليها الطابع الأنثوي كالعاطفة والرغبة في الاتصال بالبيئة والنسبية في الأحكام، وبتجاهل هذه الصفات صار العلم مجالًا يتصف بالاختزال والموضوعية المطلقة معتمدًا بشكل كامل على جمع البيانات وتحليلها ثم استدلال النتائج.
هذه العملية المنهجية من ناحية أنتجت لنا التقدم الهائل والحياة المليئة بالرفاهية التي نعيشها اليوم، ومن ناحية أخرى تسببت في ظهور مشكلات بيئية وأزمات أخلاقية، وكذلك صناعة أسلحة فتاكة أودت بحياة الملايين، ولا يملك العلم القدرة على مواجهة هذا الجانب المظلم إذا ظل ملتزمًا بالحياد ولم يتحلَّ بالروح الإنسانية المطلوبة، التي تسعى لرؤية الصورة الكاملة وتضع الأمور في نصابها الصحيح وتصنع القرارات بمرونة وتفهم.
في صفحات هذا الكتاب نستعرض رؤية جديدة للعلوم متأثرة بالطبيعة والشخصية الإنسانية بناءً على نظريات “كارل يونج” عن الوعي ومحاور الشخصية للوعي Personality Axis، بالإضافة إلى نصائح عامة ونقد صريح لسلوكيات شديدة الضرر تنتشر في المجتمع العلمي كما تراها الكاتبة.
مؤلف كتاب أنثوية العلم: العلم من منظور الفلسفة النسوية
ليندا جين شيفرد: هي دكتورة وعالمة؛ حاصلة على البكالوريوس مع مرتبة الشرف في مجال الأحياء من جامعة مارسيل، ونالت درجة الدكتوراه في علم الكيمياء الحيوية بجامعة بنسلفانيا. دفعها شغفها الكبير بالطبيعة والكائنات الحية إلى العمل باحثة في هذه المجال، كما نشرت عشرات الأوراق العلمية، وهي تبدي كذلك اهتمامًا كبيرًا بعلم النفس والنظريات المتعلقة بأساليب عمل العقل الإنساني وعلاقتها بالأحلام وتشكيل اللا وعي، وهو ما جعلها تخصص بحث الدكتوراه الخاص بها عن آلية عمل التخدير، وذلك لارتباطه القوي بفكرة الوعي في الإنسان. حاز كتابها “أنثوية العلم” على جائزة الكتاب بولاية واشنطن لإسهامه في طرح أفكار لنموذج علمي أكثر شمولًا من سابقه، ولإعادة النظر في دور النساء الحالي في مختلف العلوم.
معلومات عن المترجمة:
يمنى طريف الخولي: أستاذ فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة. وهي حاصلة على الليسانس الممتازة بمرتبة الشرف من قسم الفلسفة، والماجستير في الفلسفة عن موضوع فلسفة العلوم عند “كارل بوبر”، وكذلك الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع مبدأ اللا حتمية في العلم المعاصر ومشكلة الحرية. أسهمت في إثراء الثقافة العلمية عن طريق نشر المقالات العلمية والترجمات المختلفة؛ ومنها “مفهوم المنهج العلمي” و”ركائز في فلسفة السياسة” و”فلسفة الكوانتم”.