ظاهرة الاقتران
ظاهرة الاقتران
هل سلوك الانتحار سلوك مقترن بسياق محدد؟ لمعرفة ذلك سنطلع على قصة “سِيلْفِيَا بلَاث” تلك الشاعرة الشهيرة التي انتحرت جراء استنشاق غاز الفحم السام، وصادف في تلك الحقبة الزمنية تزايد انتحار الناس بالطريقة نفسها، ولكن مع الوقت قل استخدام غاز الفحم السام وحل محله الغاز الطبيعي غير السام فقلت نسبة الانتحار بشكل كبير، وهذه هي ظاهرة الاقتران، فقد اقترن الانتحار بغاز الفحم السام وقل مع عدم توافره، وهناك دليل آخر على ذلك وهو “جسر البوابة الذهبية” الذي سجل معدلات انتحار مرتفعة، ولكن مع تركيب شبكة لالتقاط الناس قبل وقوعهم قلت نسبة المنتحرين،
وذلك لأن قرارهم بالانتحار مقترن بذلك الجسر تحديدًا، كما ساعدت ظاهرة الاقتران تلك في تقليص حجم الجرائم فقد اكتُشِفَ أن الجرائم تتبع ظاهرة الاقتران، في ما يسمى بقانون تمركز الجريمة، فالجريمة ترتبط بمكان محدد، وعند معرفته واتخاذ الإجراءات اللازمة تقل نسبة الجريمة، ولكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟ ظاهرة الاقتران تنطبق كذلك على الغرباء فعندما تقابل غريبًا عليك أن تسأل نفسك أين تقابله ومتى، لأن هذين العاملين يؤثران للغاية في معرفتك لماهية الغريب، إذ يجبرنا الاقتران على رؤية الغريب بكامل غموضه وتعقيده.
وهناك حادثة غريبة من نوعها توضح الظواهر السابق ذكرها مجتمعة وهي حادثة انتحار “سَانْدَرا بلَاند”، تلك الفتاة التي كانت تقود سيارتها وارتكبت مخالفة بسيطة، ولكن لاحظها أحد الضباط واحتد النقاش بينهما إلى أن سُجِنَت، لتنتحر بعد ذلك بثلاثة أيام داخل السجن، وعند محاولة فهم القضية بشكل أكبر اكتُشِفَ أن “سَانْدَرا” شخص غير متطابق، فقد كانت تتحدث مع الضابط وهي متوترة وعصبية إلى حد ما، ولأن الضابط يستخدم مبدأ الشفافية ويرى أن سلوك الإنسان دليل موثوق على مشاعره وشخصيته، شك في سلوك ساندرا واعتبره سلوكًا غير طبيعي فتعامل معها على أنها مشتبه بها، إذ إن عناصر الشرطة يُدَرَّبُون على التعامل مع الغرباء من منطلق البراءة أو الذنب فقط،
إلا أن سَانْدَرَا كانت تعاني من ديون جراء مخالفة قيادية سابقة، مما دفعها إلى التعامل بعصبية مع الضابط لاعتقادها بأنه سيعطي لها مخالفة، ولأن كلًّا من الضابط وسَانْدَرَا شخصان غريبان بالنسبة إلى بعضهما تطور الأمر إلى هذه الدرجة، والسؤال هنا: هل لو أبدى الضابط قدرًا من اللطف في التعامل أو لو تعاملت ساندرا بطريقة غير تلك كنا سنتجنب ما حدث؟ والإجابة ستكون: عندما لا يعرف المجتمع كيفية التحدث إلى الغرباء تكون تلك هي النتيجة المتوقعة.
الفكرة من كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
نلتقي يوميًّا بعديد من الغُرباء، ولكن من منا لا يُسيء فهمهم؟ مع الأسف، أغلبنا يُسيء فهمهم، فقد تقابل شرطي مرور وتراه شخصًا عصبيًّا، في حين أن شرطي المرور ذاك يراك موضع شك فتزداد حدة النقاش بينكما، فكلاكما يعد غريبًا بالنسبة إلى الآخر، ولمعالجة حالات سوء الفهم تلك، جاء إلينا هذا الكتاب لمناقشة لماذا نحن سيئون في الحكم على الآخرين، ولماذا نخفق في فهم الغرباء، وعبر صفحات هذا الكتاب سندرك الدوافع الكامنة وراء تصرفاتنا، وسنكتشف أن الغرباء ليسوا شخصيات بسيطة على الإطلاق، وسنعرف كيف نتعامل مع من لا نعرفهم، فلقد أصبحنا اليوم على تواصل دائم مع أشخاص يختلفون عنا، ويرون العالم من منظور غير منظورنا.
مؤلف كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
مالكولم غلادويل: كاتب، وعالم اجتماع، وصحفي كندي، ولد عام 1963م، وألَّف كتبًا عدة تصدرت قائمة أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وعمل لفترة مراسلًا للعلوم والأعمال في صحيفة “واشنطن بوست”، وامتاز غلادويل بكتابة مقالات تتحدث عن التدخلات غير المتوقعة للبحوث العلمية لا سيما في قسم علم النفس والاجتماع، ومن أبرز مؤلفاته:
نقطة التحول.
المتميزون.. قصة النجاح.
طرفة عين.. قوة التفكير دون تفكير.
ماذا رأى الكلب.. ومغامرات أخرى.
معلومات عن المترجمة:
غيلدا العساف: ترجمت مؤلفات عدة من أبرزها:
أحدنا هو التالي.
في مصيدة الحب.