افتراض الصدق
افتراض الصدق
لم تنتهِ قصصنا مع الجواسيس، ها نحن نعود إلى دولة كوبا مجددًا، ولكن في هذه المرة سنرى كيف تمكنت الجاسوسة “آنا مُونْتِيس” التي كانت تعمل في الاستخبارات العسكرية الأمريكية من إفشاء جميع أسرارها إلى كوبا، وآنا كانت تمتاز بالجد في العمل ويحبها الجميع في قسم الاستخبارات، مما يدفعنا إلى التساؤل كيف يستمر الناس في التعرض للخداع ولا يكتشفون ذلك إلا بعد فوات الأوان؟ للإجابة عن هذا السؤال سنحتاج إلى التعرف على الدراسات العلمية التي أجريت على الخداع البشري وكيفية اكتشاف الأكاذيب، فقد أجرى عالم النفس “تِيمْ لِيفِين” مئات الأبحاث والاختبارات، الهدف منها هو محاولة الإجابة عن أحد أكبر الألغاز في العالم وهو لماذا نحن سيئون للغاية في كشف الأكاذيب؟
من أشهر التجارب التي أجراها “تِيمْ لِيفِين” هي إحضار طالبين ليكوّنا فريقًا معًا، وإعطاؤهما أسئلة سهلة ومن يجب بإجابات صحيحة يفز بجائزة نقدية، مع وجود شخص يراقبهما، ولكن ما يحدث هو أن يغادر المراقب لبعض الوقت وحينها تأتي الفرصة للغش، ثم كرر التجربة على عدة فرق أخرى، وعندما تم استجواب الطلاب هل غششتم أم لا؟ كانت الصدمة أن نسبة الكاذبين 65 في المئة، ولم يستطع المراقب تحديد الصادق من الكاذب إلا بعد الرجوع إلى كاميرات المراقبة، وهذا يطلق عليه “نظرية الصدق”، فنحن نحدد الصادقين بشكل صحيح، ونخطئ في تحديد الكاذبين لأن لدينا ميولًا لافتراض الصدق، فنحن نفترض دائمًا أننا نتعامل مع أشخاص صادقين، ويتطلب التخلص من نمط فرضية الصدق الحافز، وجمع الأدلة ببطء قبل التوصل إلى صحة الاستنتاج من زيفه، والابتعاد عن الثقة أولًا.
أي إن “آنا مُونْتِيس” لم تكُن جاسوسة محترفة كما قيل عنها، ولم تحتج إلى ذلك من الأساس في عالمنا الذي يميل إلى التصديق أكثر من التشكيك، ولكن هل الشك الدائم له ثمن؟ أجل بالطبع فهذا ما حصل مع “هَارِي مَارْكُوبُولُوس” الذي كشف أكبر عملية نصب في التاريخ، فقد عاش هاري وحيدًا لأنه كان يشك في الجميع باحثًا عن الحقيقة فابتعد عنه الناس، وهذه الشخصية تسمى “بالأحمق الكبير” كما أطلق عليه الفُولكلور الروسي، الذي عرّفه على أنه شخص غريب الأطوار ومجنون أحيانًا، إلا أنه من يستطيع رؤية الحقيقة كاملة، ونسبة هؤلاء الأشخاص من حولنا قليلة، وهكذا فإن البشر لم يطوروا من مهاراتهم لاكتشاف الخداع لاعتقادهم بأنه لا توجد فائدة من قضاء الوقت في التدقيق في كلمات الآخرين وسلوكياتهم، إذ تكمن مصلحة البشر في افتراض أن الغرباء صادقون، فما نحصل عليه مقابل هذا الاعتقاد هو التواصل الفعال والشعور بالانتماء إلى الجماعة، ولهذا لم تستطع وكالة الاستخبارات الأمريكية الشك في جميع موظفيها لاكتشاف الجاسوس، لأنها لو فعلت ذلك لانهارت في إعصار مدمر من انعدام الثقة والانقسام.
الفكرة من كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
نلتقي يوميًّا بعديد من الغُرباء، ولكن من منا لا يُسيء فهمهم؟ مع الأسف، أغلبنا يُسيء فهمهم، فقد تقابل شرطي مرور وتراه شخصًا عصبيًّا، في حين أن شرطي المرور ذاك يراك موضع شك فتزداد حدة النقاش بينكما، فكلاكما يعد غريبًا بالنسبة إلى الآخر، ولمعالجة حالات سوء الفهم تلك، جاء إلينا هذا الكتاب لمناقشة لماذا نحن سيئون في الحكم على الآخرين، ولماذا نخفق في فهم الغرباء، وعبر صفحات هذا الكتاب سندرك الدوافع الكامنة وراء تصرفاتنا، وسنكتشف أن الغرباء ليسوا شخصيات بسيطة على الإطلاق، وسنعرف كيف نتعامل مع من لا نعرفهم، فلقد أصبحنا اليوم على تواصل دائم مع أشخاص يختلفون عنا، ويرون العالم من منظور غير منظورنا.
مؤلف كتاب التحدث إلى الغرباء.. ما الذي يجب أن نعرفه عن الغرباء؟
مالكولم غلادويل: كاتب، وعالم اجتماع، وصحفي كندي، ولد عام 1963م، وألَّف كتبًا عدة تصدرت قائمة أكثر الكتب مبيعًا في العالم، وعمل لفترة مراسلًا للعلوم والأعمال في صحيفة “واشنطن بوست”، وامتاز غلادويل بكتابة مقالات تتحدث عن التدخلات غير المتوقعة للبحوث العلمية لا سيما في قسم علم النفس والاجتماع، ومن أبرز مؤلفاته:
نقطة التحول.
المتميزون.. قصة النجاح.
طرفة عين.. قوة التفكير دون تفكير.
ماذا رأى الكلب.. ومغامرات أخرى.
معلومات عن المترجمة:
غيلدا العساف: ترجمت مؤلفات عدة من أبرزها:
أحدنا هو التالي.
في مصيدة الحب.