كيف تتشكَّل أفكار الجماعات؟
كيف تتشكَّل أفكار الجماعات؟
تتناثر الأفكار هنا وهناك، فبعضها ينقلب إلى عقيدة راسخة والبعض الآخر لا يعدو أن يكون محض سراب، ويتوقَّف ذلك على البيئة الحاضنة لتلك الأفكار ودرجة تكيُّف تلك الأفكار مع الظروف الواقعية المحيطة بها، بالإضافة إلى مدى اتفاقها أو اختلافها مع الثوابت المجتمعية ومخاطبتها في الوقت نفسه للصفات الغريزية اللاشعورية، كما يؤدي عامل الوقت دوره المنوط به، فبعض الأفكار تكتسب قوة عبر الأزمان وبعضها تضمحل ولا تستطيع مجابهة التطور المجتمعي.
تتلقَّف الجماعات الأفكار التي تصادف هوى عندها وقد تحاول جاهدةً إضفاء ثوب ما من المعقول -ولو ببعض الأدلة الواهية- على شرعيتها كنوع من الحيل الدفاعية لإرضاء الذات الشاعرة لقانونها النفسي، فهي وإن كانت في المجمل العام لا تخضع لقانون العقل، لكنها أيضًا على الطرف الآخر لا تنقضه بصورة مطلقة، خصوصًا في محاولة التدليل على صحة معتقداتها، وينشأ ثمة تلازم عند الجماعات بين مقدار العقل في الأفكار والأدلة التي تستند إليها، فمقدار العقل هنا يقترب من مقدار العقل هناك، وهذا ما يجعل عملية التعقل نفسها تفتقد نوعًا ما من التسلسل المنطقي في الربط بين الأدلة.
ولعلَّ هذا التخبُّط لدى الجماعات يرجع بصورة أو بأخرى إلى تغليب فكرة التخيُّل والقابلية للتأثر الشديد، فهذا يعد من أهم المحددات لعملية التفكير داخل الجماعة، ومن هنا كانت القصص والغرائب أكثر انتشارًا وتأثيرًا بين الجماعات أكثر من تأثيرها في الأشخاص منفردين، حيث تشبع عندهم نهم التخيل، ومتى تمت السيطرة على تلك القوة المخيلة للجماعة فقد تمت السيطرة عليهم.
الفكرة من كتاب روح الاجتماع
إن الإنسان مدنِي بطبعه، فهو لا يستطيع العيش بمفرده، لذا يضطر إلى الانتظام في جماعات من أجل تأمين احتياجاته المادية والمعنوية على السواء، من هنا كانت الجماعات في حد ذاتها ضرورة..
يسلك الكاتب في هذا الكتاب مسلكًا يرتكز على القواعد العلمية، في دراسة أحوال الجماعات وسبر أغوارها، وكيف تتشكَّل نظرتها إلى الواقع المحيط، كما يدلف إلى قانونها النفسي والعوامل التي تحدِّد قالبها الفكري والشاعري.
مؤلف كتاب روح الاجتماع
غوستاف لوبون Gustave Le Bon: طبيب ومؤرخ فرنسي، يعدُّ من أشهر المؤرخين الغربيين الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، وُلد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، ودرس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من أهم مؤلفاته:
حضارة العرب.
سيكولوجية الجماهير.
السنن النفسية لتطور الأمم.
روح الثورات والثورة الفرنسية.