ينابيع النزعة الدينية ودورها المجتمعي
ينابيع النزعة الدينية ودورها المجتمعي
إذا كان الإنسان مدنيًّا بطبعه فهو أيضًا متديِّن بفطرته، فالتديُّن البشري ظاهرة مركَّبة تُشارك فيها ثلاث قوى لا شعورية تفرز حاجةً إلى تقلُّد أي نزعة دينية لإشباع هذا العطش الإيماني النفسي، وهذه القوى المتمثلة في الفكر والعاطفة والدافع مطبوعة في القالب الإنساني للبشر، لذلك كلما حاول الفرد وأدها ازدادت عنفوانًا وقوة، فضلًا عن انتكاسة فطرته وتردِّيه إلى طور الحيوانية الأولى، فالتطلع إلى هتك أستار هذا الواقع المُشاهَد والنفاذ إلى علله عبر إعمال الفكر يعد من أبجديات المبادئ العقدية التي يشترك فيها مع ميدان العلوم، فلولا الفضول المعرفي المطبوع في النفس ما حرَّك الإنسان في العلوم يمينًا من شمال.
ويعدُّ الدين أحد المواطن الفسيحة التي يشبع فيها الفرد حاجته العاطفية من مشاعر نبيلة كشوقٍ وحبٍّ وأملٍ ورجاءٍ، وتأتي آخر القوى الثلاث المتمثلة في الإرادة حيث تشكِّل بدورها سياجًا من الدوافع لحماية تلك النزعة الدينية من عوامل اليأس والقنوط، كما أن للأديان مهمة اجتماعية أخرى لا تقل أهمية عن إشباعها للحاجات النفسية، ذلك أنها بمثابة صمام أمان للنسيج المجتمعي من التفسُّخ والانحلال، فلا شيء أقوى من سلطان العقيدة في النفوس على احترام النظام والقانون والحفاظ على حالة التعاون المجتمعي.
فمهما تعاظم العنصر المادي وتجذَّر في الحياة المعاصرة ظلَّ الإنسان أسير فكرة وعقيدة في الأساس، فالمادة على عظمتها لا تملك ترياقًا للخواء الروحي ولا إشباعًا للغرائز العاطفية، فالإنسان إنما يُساق من داخله لا من خارجه، كما أن أسير الفكرة لا ينفك عن أغلال أسره بخلاف النظم والقوانين الوضعية التي ما يبرح أن يطلق الفرد لجام نفسه لمخالفتها متى أمن العقاب واطمأن لعدم هتك ستره، كذلك من الخطأ الاستغناء بالعلم والثقافة عن دور التنشئة الدينية، فالعلوم مهما تقدمت لا تعدو أن تكون آلة للبناء أو التدمير، فهي في أصل مهمتها تحتاج إلى رقيب يوجه استخدامها إلى عمارة الأرض لا إلى هدمها، ومن هنا كان الدين هو الضمانة المجتمعية لعدم خروجه عن قضبان السلم المجتمعي.
الفكرة من كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
يُطلق مصطلح “الدين” على معانٍ متعدِّدة غير أنها يمكن جمعها في نسق متقارب يدور حول معاني الملك والتصرف والعقيدة والخضوع والطاعة، فهي تدل أن ثمة علاقة بين طرفين أحدهما يخضع للآخر، فهي في حق الأول خضوع وانقياد وفي حق الثاني حُكمٌ وسلطان..
يعدُّ الكتاب إحدى الدراسات التي قام بها المؤلف في مجال تاريخ الأديان وعوامل نشأتها ودورها المجتمعي، كما عمل على تحليل الفكرة الدينية في حد ذاتها واستنباط عناصرها النفسية، وعلاقتها بالعلوم الحياتية، وفك الاشتباك الحاصل بين الدين من ناحية والفلسفة والأخلاق من ناحية أخرى.
مؤلف كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
محمد عبد الله دراز: مفكر وباحث إسلامي مصري كبير، وُلد في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ في عام ١٨٩٤م، وحصل على شهادة العالمية عام ١٩١٦م، ودَرَس فلسفة الأديان بفرنسا في «جامعة السوربون» ونال منها شهادة الدكتوراه، وعمل مدرسًا بمعهد الإسكندرية الأزهري، ثم محاضرًا في الكليات الأزهرية الناشئة، وقد وافته المنية في أثناء حضوره مؤتمر الأديان الكبير في «لاهور» الباكستانية سنة ١٩٥٨م، حيث توفي خلال إحدى جلسات المؤتمر.
له العديد من المؤلفات أبرزها:
النبأ العظيم.
الصوم تربية وجهاد.
نظرات جديدة في القرآن.
دستور الأخلاق في القرآن.