الدين والأخلاق والفلسفة
الدين والأخلاق والفلسفة
تعد الأخلاق بمثابة قواعد للسلوك تنقله من حيز ما هو كائن إلى ما يجب عليه أن يكون، فهي تدفع الفرد ناحية النزوح إلى فعل الخير، أما الدين في جوهره فهو تعلق العبد بالمعبود على جهة التعظيم والانقياد، فمن هذه الناحية التجريدية يظهر التداخل بين الأمرين، فبينما يعد الدين بمثابة سمو نظري للروح تعد الأخلاق ترجمة عملية لهذا السمو عبر تلمُّس أفعال الخير وتجنُّب الشر، ولما كانت تلك الذات العليا هي المدبرة لأمور البشر استلزم البناء الديني الكامل أن يتضمَّن تشريعات تحكم ميادين الحياة المختلفة، وتبعًا لذلك يبسط الدين رداءه على الأخلاق، ومن هنا يُفهم ما بين الدين والأخلاق من عموم وخصوص، فكلما اجتمعا في العبارة افترقا في المعنى، والعكس صحيح.
أما إذا انتقلنا إلى ميدان البحث التاريخي فنجد عدم وجود ترابط بينهما، فالأخلاق أسبق على الدين، ويظهر ذلك جليًّا في الطفل حين يسعى إلى إتيان فعل ما ويستحي من إتيان آخر وهو في ذلك لا يستطيع أن يعلِّل سبب إقدامه من عدمه، أما الفلسفة فهي أقرب العلوم إلى الدين، ذلك أنها تبحث في العلة الأولى وغاية الموجودات وسبل سعادة الإنسان، ولكنها مع ذلك تفترق عن الدين افتراقًا كبيرًا، فمن ناحية نجد أن الفلسفة المادية تنكر بوضوح أي شيء غير الحس والمشاهدة وهي في ذلك تختلف في نتيجتها عما تقول به الأديان من وجود ذات عليا غيبية تتحكَّم في مقاليد الأمور.
ومن ناحية أخرى نجد أن الفلسفات الروحية تختلف عن الدين في تقرير طبيعة علاقة الإله والعالم المشاهَد، فبينما تثبت الأديان وصف الربوبية المتمثِّل في عناية الإله المستمرة بالعالم نجد أن بعض الفلسفات الروحية تقصر مهمته على كونه العلة الأولى التي انتهت مهمتها، كما يفترق الطرفان أيضًا عند النظر في أصل مادة الخلق، فبينما تقرر الأديان نشأة المادة من العدم نجد الفلسفة الروحية تقول بوجود مادة أزلية استخدمها الإله لهندستها وفق إرادته لتشكيل هذا الكون.
الفكرة من كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
يُطلق مصطلح “الدين” على معانٍ متعدِّدة غير أنها يمكن جمعها في نسق متقارب يدور حول معاني الملك والتصرف والعقيدة والخضوع والطاعة، فهي تدل أن ثمة علاقة بين طرفين أحدهما يخضع للآخر، فهي في حق الأول خضوع وانقياد وفي حق الثاني حُكمٌ وسلطان..
يعدُّ الكتاب إحدى الدراسات التي قام بها المؤلف في مجال تاريخ الأديان وعوامل نشأتها ودورها المجتمعي، كما عمل على تحليل الفكرة الدينية في حد ذاتها واستنباط عناصرها النفسية، وعلاقتها بالعلوم الحياتية، وفك الاشتباك الحاصل بين الدين من ناحية والفلسفة والأخلاق من ناحية أخرى.
مؤلف كتاب الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
محمد عبد الله دراز: مفكر وباحث إسلامي مصري كبير، وُلد في إحدى قرى محافظة كفر الشيخ في عام ١٨٩٤م، وحصل على شهادة العالمية عام ١٩١٦م، ودَرَس فلسفة الأديان بفرنسا في «جامعة السوربون» ونال منها شهادة الدكتوراه، وعمل مدرسًا بمعهد الإسكندرية الأزهري، ثم محاضرًا في الكليات الأزهرية الناشئة، وقد وافته المنية في أثناء حضوره مؤتمر الأديان الكبير في «لاهور» الباكستانية سنة ١٩٥٨م، حيث توفي خلال إحدى جلسات المؤتمر.
له العديد من المؤلفات أبرزها:
النبأ العظيم.
الصوم تربية وجهاد.
نظرات جديدة في القرآن.
دستور الأخلاق في القرآن.