الخصوصية
هي الحق في أن تُترك وشأنك، أو كما تم التعبير عنها في القرن السابع عشر بأن منزل الرجل هو قلعته، فهي أبعد من أن تكون على سجيتك وتتصرَّف بحرية متيقنًا من عدم التجسُّس عليك أو مراقبتك، وبهذا تتعدى خصوصية (الحيز) و(الموقع)، وتمتد إلى القرارات التشريعية التي تمسُّ أمورًا أخلاقية كالحمل والإجهاض، ولا تتعلق بكاميرا المراقبة التي تم التصالح على وجودها للحماية أو المراقبة فقط، بل تمتد إلى الشعور بأنك مراقب، فقد لا تكون هناك كاميرات تسجل أفعالك بينما هاتفك المحمول يفعل، فالأمر يتعلق بإمكانية أن تكون مراقبًا فعلًا، وأن تُنتهك خصوصيتك، وأننا بالفعل نتجه ناحية الصورة المرعبة التي وضعها أورويل للمجتمع البوليسي، وأننا تحت هذا الضغط (المعلوم حيثياته لنا) نتكلَّف القول والفعل ونتصرَّف بحذر، وندرك أن علينا تغيير سلوكنا لئلا يكون محل اشتباهٍ للسلطة.
إن مستقبلنا في هذا الوضع ينذر بخطورة شديدة على الخصوصية، لا سيما مع تطور التقنيات والتكنولوجيا والاستخدام المتزايد لعلم المقاييس الحيوية وطرق البحث شديدة الحساسية وتطور الأقمار الصناعية ونوع وحجم المعلومات التي تنقلها واختراق الحوائط والملابس وأجهزة (الغبار الذكي) التي تستطيع رصد أي شيء بدءًا من الضوء وحتى الذبذبات.
هذا التطوير يقيض من حركتنا وعملنا ويظهر أثره في اقتصادنا، فمثلًا استخدام أصحاب العمل المتزايد لأجهزة المراقبة في مكان العمل لا يغيِّر سمات البيئة وطبيعتها فقط، بل يحد من فاعلية هذه الأجهزة ويغير من طبيعة ما نفعله وطريقة فعله؛ مما يضعف من استقلالنا النفسي والانفعالي، ولا شك أن الانزلاق نحو التشديد في المراقبة يحقق تغيرًا جوهريًّا في تواصلنا وعلاقاتنا، مما يؤدي إلى نتيجة عكسية لتلك التي رغب صاحب العمل المتطفِّل فيها.
الفكرة من كتاب الخصوصية.. مقدمة قصيرة جدًّا
يبدو أن الأخ الأكبر الذي تحدَّث عنه جورج أورويل في روايته الشهيرة 1984 توسَّع دوره حاليًّا مع انتشار أنظمة المراقبة والتحكم عن بعد، بالإضافة إلى سرعة الإنترنت الفائقة وانتشار الهواتف والحواسيب المحمولة، وكل أشكال الاتصالات التي تمنح الشركات والحكومات فرصة للمراقبة والمتابعة والاطلاع على بيانات في غاية الخصوصية والسرية للناس.
الخصوصية من الناحية التقنية والقانونية وما تفعله الشركات الخاصة من مشاركةٍ لمعلوماتنا ونسفٍ لخصوصياتنا من شأنه أن يشعرنا بعدم الأمان، إلا أن هذا ما لا يحدث، لكننا نتوسع في الاستخدام من غير حسابٍ لكلفة هذا التوسع، فما الذي تجنيه هذه الشركات والمواقع من وراء الطرح المجاني لخدماتها؟ ومن ينفق عليها؟ في هذا الكتاب ستجد أجوبةً لكل هذه الأسئلة وأكثر.
مؤلف كتاب الخصوصية.. مقدمة قصيرة جدًّا
ريموند واكس Raymond Wacks: كاتب وأستاذ القانون بجامعة هونج كونج وأحد الخبراء في مجال الخصوصية، تقاعد في عام 2001 ويعيش الآن في بريطانيا، ونشر العديد من الكتب والمقالات التي تتحدث عن الخصوصية، ومن بينها:
حماية الخصوصية.
الخصوصية وحرية الصحافة.
المعلومات الشخصية: الخصوصية والقانون.