عابر للثقافات.. ضارب بجذوره في تربة العالم
عابر للثقافات.. ضارب بجذوره في تربة العالم
على المربي ألا يشطح بخياله عن الواقع، ويُعلي من توقعاته وخططه لولده بما لا يتحمله هذا العصر، بل عليه أن يُولي اهتمامًا أيضًا للقوم والمجتمع الذي يعيش فيه، فيعرف كيف يُميزه بينهم بقدرات ومواهب تقدمه إلى الصفوف الأولى، وكما ذكرنا فتعلم اللغات الأجنبية هو لإحدى هذه الخصائص التي تفتح الأبواب للنشء في مقتبل العمر، إن جميع معارفنا وعلومنا ترتبط بأوربا بشكل أو بآخر، والترجمة هي عيننا على هؤلاء القوم، ولا يكون المُترجم، إلا إذا كان مُجيدًا على الجبهتين؛ يتقن اللغة التي يترجم منها والأخرى التي ينقل إليها، وتختلف طبيعة الترجمة والأسلوب المتبع فيها باختلاف نوعها، فالترجمة العلمية تتطلب الكثير من فهم المفردات وعدم الخلط بين معانيها، أما الترجمة الأدبية فلا تعبأ كثيرًا بهذه الحرفية والتدقيق في المنقول، بل كلما كسا المُترجم الحكمة أو بيت الشعر من ثقافته ومفردات لغته، كان ذلك أدل على فهمه والتحامه بالنص الذي ينقله، وامتلاكه لناصية البيان الذي يترجم إليه.
ومعرفة أخرى لا يجوز للناشئ تجاهلها، هي دراسة التاريخ، وقد سلكت المدارس والمناهج التربوية في هذا العلم أكثر الطرق والأنظمة مللًا وصعوبة، حتى أودت أضرارها بمنافعها، وليست هذه بالطريقة المفيدة للطلاب أو اليسيرة على المعلمين، إذ إنها تجعل علمًا روائيًّا وسرديًّا كالتاريخ، أشبه بالعلوم الطبيعية المملوءة بالأرقام والبيانات، لكنّ أسلوبًا آخر هو الأحق بالتطبيق على دراسة التاريخ، وهو الاعتناء بالرجال الذين صنعوه، فتكون الكتب والمناهج عبارة عن أسماء عظيمة، حفرت سيرتها على جبهة الأبد، ويعتني المنهج بسيرة هذه النخبة منذ نشأتها وحتى سطوعها في تاريخ العالم، فيذكر صفات الفترة التي عاشت فيها وخصال أقوامها ودولها، ثم ينتقل إلى الأحداث العظيمة التي صنعتها هذه القلة، ويربطها بالأحداث الأخرى التي عاصرتها وأثرت فيها، والأمم التي تعرضت لها، فيمزج السيرة الفردية في نهر التاريخ الجاري، ويحول الأرقام والكلمات الجامدة، إلى رواية وقصة ممتعة، يُقبل عليها الناشئ ويفهم منها فلسفة التاريخ.
الفكرة من كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
إن مشاعر البشر، على شدة تقلبها واختلافها، لا توجد بها عاطفة أكثر قوة وصفاءً من مشاعر الآباء تجاه أبنائهم وحبهم لهم، قد تسطو أحيانًا على نفس المرء عواطف أخرى، مثل الانتقام والطموح، لكنها تظل مشوبة بالأنانية متعلقة برغبات دنيئة، أما حب الوالد لولده، فلا فعل يُثنيه عنه، ولا طائل ينتظره الأب من هذا الولد ليبذل له حبه وحنانه، بل يُفني الأب نفسه في هذا الحب، ويسهر على رعايته الليل والنهار، حتى يتم سناه، ويرى ابنه قد سما عليه في سماء المجد، فلا حسد ولا مقت، لكنها سعادة تفضحها الدموع.
نطلع في هذه المراسلات العذبة، بين الأستاذ أحمد حافظ وولده، على شيء من هذا الحب، إذ يُسدي الأب الأديب الذي خبر أمور السياسة، وذاق من الحياة ما ذاق، إلى ولده خلاصة تجربته، ويُرشده إلى الصراط الذي يُعده لبلوغ المعالي، وهي نصائح جديرة بكل مُربٍّ أن يقرأها بتمعن، ثم يُنزلها على الحال الذي يريد، نفثات من صدر والدٍ مُحب إلى قلب ابن بار إن شاء الله.
مؤلف كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
أحمد حافظ عوض بك: الكاتب والأديب والسياسي، ولد عام 1874م، في مدينة دمنهور بالبحيرة، حيث التحق بالكُتاب، ثم أتم تعليمه في الأزهر، عمل سكرتيرًا خاصًّا ومترجمًا للخديوي عباس حلمي الثاني، وشغل منصب رئيس تحرير جريدة المؤيد، ثم أصدر صحيفتي الأهالي والآداب، من مؤلفاته:
فتح مصر الحديث: نابليون بونابرت في مصر.
رواية اليتيم.