أوان التربية العقلية.. ناشئ مُلم بأساسيات العلوم
أوان التربية العقلية.. ناشئ مُلم بأساسيات العلوم
ليس هناك من حرج على النشء إذا لم يمتازوا في دقائق اللغة ومنظوماتها، إذ إن زحام العصر الجديد، لا يتيح لواحد من الناس أن يمتاز في علوم اللغة حتى يصبح من أعلامها، ويختص لنفسه علمًا عصريًّا يشارك به في نهضة أمته، يكفي الجيل الجديد أن يصل إلى تلك الطبقة التي هي دون الشعراء واللغويين، فلا تنقصه فصاحة ولا يعوقه بيان، غير أنهم لم يتمثلوا تاريخ اللغة وأدبها وشعرها في أذهانهم، بل ألموا بأطرافها دون أن يتوغلوا في المعاجم والقواميس.
ولكن ماذا لو أجاد الناشئ في تخصصه، وكان مع ذلك أديبًا مُجيدًا؟ ذلك غاية الطلب، لكن لو لم يقدر على هذه الدرجة، فليس أقل من أن يكون مُلمًّا بأطراف اللغة وآدابها، وأن يزيد على ما تمنحه له مقررات المناهج، وكبداية سيكون الاهتمام بكتب الخيال أو السير التاريخية مثل “ألف ليلة وليلة”، ممتعًا ومفيدًا له في هذه السن الحديثة، فلا يشعر معها بعبء الدراسة، لكنها تقربه من اللغة الفصيحة، والبيان الممتع، ثم ينتقل من كتب القصص إلى كتب المطولات، حتى إذا اتصل بأيام العرب، وألم بأحوالهم وطباعهم، يجمع على هذا دواوين أبرز شعرائهم، فينتقي منها ما يُمتعه أو يقع في نفسه.
ولا يطلب من الناشئ بأي حال، أن يتقن اللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى من اللغات الأجنبية، على نفس الدرجة والإتقان الذي خص به العربية، فأقصى ما سيُطلب منه في هذا الميدان، سيكون بعيدًا للغاية عن الفصاحة وجميل البيان، لكن لا ينبغي له أن يقل عن ذلك، فإن لم يصل إلى درجة أبناء اللغة، فليس أقل من أن يستطيع فهمهم، والحديث معهم، ومن أصعب ما يلاقيه المبتدئ في اللغة الإنجليزية كيفية النطق والكتابة، فنحو هذه اللغة وقواعدها ليست مُعضلة كغيرها من اللغات، ومما يُيسر تعلم هذه اللغة، تحصيل الكثير من مفرداتها، وهذا ما لن تحصل عليه سوى بالاطلاع والقراءة الجيدة لكبار كُتابها.
الفكرة من كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
إن مشاعر البشر، على شدة تقلبها واختلافها، لا توجد بها عاطفة أكثر قوة وصفاءً من مشاعر الآباء تجاه أبنائهم وحبهم لهم، قد تسطو أحيانًا على نفس المرء عواطف أخرى، مثل الانتقام والطموح، لكنها تظل مشوبة بالأنانية متعلقة برغبات دنيئة، أما حب الوالد لولده، فلا فعل يُثنيه عنه، ولا طائل ينتظره الأب من هذا الولد ليبذل له حبه وحنانه، بل يُفني الأب نفسه في هذا الحب، ويسهر على رعايته الليل والنهار، حتى يتم سناه، ويرى ابنه قد سما عليه في سماء المجد، فلا حسد ولا مقت، لكنها سعادة تفضحها الدموع.
نطلع في هذه المراسلات العذبة، بين الأستاذ أحمد حافظ وولده، على شيء من هذا الحب، إذ يُسدي الأب الأديب الذي خبر أمور السياسة، وذاق من الحياة ما ذاق، إلى ولده خلاصة تجربته، ويُرشده إلى الصراط الذي يُعده لبلوغ المعالي، وهي نصائح جديرة بكل مُربٍّ أن يقرأها بتمعن، ثم يُنزلها على الحال الذي يريد، نفثات من صدر والدٍ مُحب إلى قلب ابن بار إن شاء الله.
مؤلف كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
أحمد حافظ عوض بك: الكاتب والأديب والسياسي، ولد عام 1874م، في مدينة دمنهور بالبحيرة، حيث التحق بالكُتاب، ثم أتم تعليمه في الأزهر، عمل سكرتيرًا خاصًّا ومترجمًا للخديوي عباس حلمي الثاني، وشغل منصب رئيس تحرير جريدة المؤيد، ثم أصدر صحيفتي الأهالي والآداب، من مؤلفاته:
فتح مصر الحديث: نابليون بونابرت في مصر.
رواية اليتيم.