جسمك السليم قبل عقلك الحكيم.. اللغات أيضًا ضرورية
جسمك السليم قبل عقلك الحكيم.. اللغات أيضًا ضرورية
يبدو في بعض الأحيان أن فطرة الصغار تهديهم لما ينفعهم، فتحتوي تصرفاتهم ورغباتهم العفوية على حكمة أبلغ من نظام آبائهم المُحكم، فنرى كثيرًا من الآباء يقدمون التربية العقلية على الجسدية، ويهمهم أن يُحصل أبناؤهم من العلوم في الصغر أكثر مما ينفقون على اللعب والرياضة، ولكن النظرة السليمة ترى أن يُعد جسم الناشئ في صغره، حتى لا يعوقه بعد ذلك، وقبل إقبال حديثي السن على الحياة، وانشغالهم بالعلم والوظيفة عن صحتهم وأجسامهم، ينبغي أن تكون التربية الجسدية هي أساس سنواتهم الأولى، وتلك الحكمة رغم بداهتها وتكرارها على الألسن، فهي مثل كل البدهيات، لا يُدركها إلا من فقدها.
وبمقتضى الحال، محكوم على طلبة العلم، إذا أرادوا تحصيل الشهادات والنجاح في رحلة التعليم النظامي، أن يهدروا أوقاتًا كثيرة في معارف ربما لن يلامسوها بقية حياتهم، ومحكوم أيضًا على الناشئ المصري إذا أراد نفعًا لأمته ولأهله، أن يجمع بين شتى هذه المعارف، من الشرق والغرب، لأن بلاده قد جمعت هاتين الصفتين، قطعة من إفريقيا لكنها مغلولة بأوربا، فلن يكتفي المصري بلغته العربية وآدابها وعلومها، ولكن إذا أراد التوسع في معرفة تاريخه، والاطلاع على النواحي الأخرى السياسية والأدبية، أن يتقن لغة ثانية وثالثة.
وتعلم اللغات عمومًا -حتى اللغة الأم- لا يكون في معظم أوقاته مُمتعًا كالقراءة في آداب تلك اللغات وعلومها، بل يجتهد الطالب في حفظ المعاني والمفردات وتدوينها. ومن يكون الإتقان غايته، يجدر به أن يبدأ بدراسة جادّة نحو تلك اللغة، والاطلاع على قواعدها ومبادئها، فهو بذلك قد يسر الطريق على نفسه، وأمكنه أن يستكمل دراسة تلك اللغة بالاطلاع على معارفها وآدابها والتحدث بها ما أراد، وأفضل ما يستعين به المُتعلم للغات في البحث والاستشهاد، تلك القواميس الكبيرة، مثل “لسان العرب” للغة العربيّة، فبها يدرك ضالته، ويفهم المعنى الذي استعصى عليه بأدق ما يمكن، ويصيب من المقولات والحكم ما يثري لسانه ويمتع عقله.
الفكرة من كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
إن مشاعر البشر، على شدة تقلبها واختلافها، لا توجد بها عاطفة أكثر قوة وصفاءً من مشاعر الآباء تجاه أبنائهم وحبهم لهم، قد تسطو أحيانًا على نفس المرء عواطف أخرى، مثل الانتقام والطموح، لكنها تظل مشوبة بالأنانية متعلقة برغبات دنيئة، أما حب الوالد لولده، فلا فعل يُثنيه عنه، ولا طائل ينتظره الأب من هذا الولد ليبذل له حبه وحنانه، بل يُفني الأب نفسه في هذا الحب، ويسهر على رعايته الليل والنهار، حتى يتم سناه، ويرى ابنه قد سما عليه في سماء المجد، فلا حسد ولا مقت، لكنها سعادة تفضحها الدموع.
نطلع في هذه المراسلات العذبة، بين الأستاذ أحمد حافظ وولده، على شيء من هذا الحب، إذ يُسدي الأب الأديب الذي خبر أمور السياسة، وذاق من الحياة ما ذاق، إلى ولده خلاصة تجربته، ويُرشده إلى الصراط الذي يُعده لبلوغ المعالي، وهي نصائح جديرة بكل مُربٍّ أن يقرأها بتمعن، ثم يُنزلها على الحال الذي يريد، نفثات من صدر والدٍ مُحب إلى قلب ابن بار إن شاء الله.
مؤلف كتاب من والد إلى ولده: رسائل في التربية والتعليم والآداب
أحمد حافظ عوض بك: الكاتب والأديب والسياسي، ولد عام 1874م، في مدينة دمنهور بالبحيرة، حيث التحق بالكُتاب، ثم أتم تعليمه في الأزهر، عمل سكرتيرًا خاصًّا ومترجمًا للخديوي عباس حلمي الثاني، وشغل منصب رئيس تحرير جريدة المؤيد، ثم أصدر صحيفتي الأهالي والآداب، من مؤلفاته:
فتح مصر الحديث: نابليون بونابرت في مصر.
رواية اليتيم.