نصيحة تقوى الله
نصيحة تقوى الله
وهذه النصيحة مهمة، لأنه إذا صحتِ التقوى، يرى الإنسان كل خير، وقد جاء في الحديث: “ما من شابٍّ اتقى الله تعالى في شبابه إلا رفعه الله تعالى في كِبَرِه”. وأهم ما نتقي به الله (سبحانه وتعالى) حفظ حدوده، فكما قال النبي ﷺ لابن عباس (رضي الله تعالى عنهما): “احفظِ اللهَ يحفظْكَ، احفظِ اللهَ تجدْهُ أمامَك”.
وإذا تأملنا في قصة يونس (عليه السلام) وقصة فرعون، كلاهما كان في شدة، فما نجا يونس (عليه السلام) إلا ذخائره من الخير، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، وأما فرعون فلم تكن له ذخيرةُ خيرٍ، فلم يجد في شدته مخلصًا، فقيل له: ﴿ءَاۤلۡـَٔـٰنَ وَقَدۡ عَصَیۡتَ قَبۡلُ﴾.
وكما كانت أعمال الخير من ذخائر التقوى، فالبُعد عن المحرمات وإمساكُ اللسان ومراعاةُ الحدود وإيثارُ اللهِ (سبحانه وتعالى) على هوى النفس، من ذخائر التقوى المنجية أيضًا، ونستدل على ذلك من حديث الثلاثة الذين دخلوا إلى غارٍ فانطبقت عليهم صخرة، “فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان وأولاد فكنت أقف بالحليب على أبويّ فأسقيهما قبل أولادي، فإن كنتُ فعلتُ ذلك لأجلك فافرج عنا، فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرتُ أجيرًا فتسخَّطَ أجرَه، فاتَّجَرتُ له به فجاء يومًا فقال: ألا تخاف الله؟! فقلت: انطلق إلى تلك البقر ورعاتها فخذها، فإن كنتُ فعلتُ ذلك لأجلك فافرِج عنا، فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني علِقتُ ببنت عمٍّ لي، فلما دنوتُ منها قالت: اتق الله ولا تفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت فعلت لأجلك فافرِج عنا، فرُفعَت الصخرة وخرجوا”.
ومن ثمرات التقوى نيل العلم، فكما قال الله (سبحانه وتعالى): ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾، فضرب ابن الجَوْزي واتخذ نفسه قدوة لابنه من اجتهاده في صغره، وتفضيل مجالس العلم عن اللعب مع الصبية والتشاغل معهم، فأعانه الله وهيأ له أسباب العلم، ورزقه الفهمَ وسرعة الحفظ وجودة التصنيف.
الفكرة من كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
دائمًا ما تكون وصايا الآباء للأبناء مختلفة، فهي تجمع بين الحكمة والشفقة وخلاصة تجارب الحياة، فما بالك إن كان الإمام ابن الجَوْزي هو من سيقدم النصيحة والوعظ؟!
بلسانِ الأب العطوف الحنون المُلقب بواعظ الآفاق ومفخرة العراق، سيطرح لنا الإمام ابن الجَوْزي نصائح عدّة من شأنها المساعدة في استقامة أمور الدين والدنيا وفي سبل كسب العلم، بطريقة سهلة في الطرح، ومؤثرة في القلب، وبالغة الحكمة.
مؤلف كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
الحافظ ابن الجَوْزي: فقيه حنبلي ومحدّث ومؤرخ، وُلد سنة 508 هـ وتوفي سنة 597 هـ ببغداد، يمتد نسبه إلى أبي بكر الصديق، وعُرف بابن الجَوْزي نسبةً إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى “فرضة الجوز” وهي مرفأ نهر البصرة. وتميّز بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته، التي بلغت نحو ثلاثمئة مصنف في مختلف العلوم وبخاصة التزكية والرقائق.
توفي أبوه وهو في الثالثة من عمره فتولت تربيته عمته، وأرسلته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ببغداد، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف، وقد لازمه نحو ثلاثين عامًا.
جلس ابن الجَوْزي للتدريس والوعظ وهو صغير، وكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والعلماء والأعيان، وأسلم على يديه نحو مئتين من أهل الذمة، وتاب في مجالسه أكثر من مئة ألف.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
الأذكياء.
صيد الخاطر.
صفوة الصفوة.
أخبار الحمقى والمغفلين.
زاد المسير في علم التفسير.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.