ما سبب كتابة الوصية؟
ما سبب كتابة الوصية؟
لقد عرف كاتبنا شرفَ النكاح وفضلَ الأولاد، فسأل الله (عز وجل) أن يرزقه بعشرة أولاد، فأجابه الله (سبحانه وتعالى) ورزقه بخمسة ذكور وخمسة إناث، فماتت اثنتان من بناته ومات من أولاده الذكور أربعة، ولم يبق له من الذكور سوى ولده “أبي القاسم”، فوضع به أمله ورجا من الله (سبحانه وتعالى) أن يكون هو الخلف الصالح، وأن يجيب له دعاء: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾.
ولاحقًا ظهر من ولد ابن الجَوْزي -أبي القاسم- نوع من التواني والتكاسل عن الجِد في طلب العلم، فكتب له هذه الرسالة أملًا في حثه على طلب العلم والسعي إلى سلوك طريقه لكسبه، وكذلك لتكون دالة له على كيفية الالتجاء إلى الله (سبحانه وتعالى)، إذ إن الله هو الموفّق والمستعان والمرشد لمن ضلّ، وكذلك امتثالًا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، وكذلك قوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾.
وللأخذ بالنصائح وعمل الفضائل يحتاج المرء إلى أن يخالف هواه، ويمكننا الاعتبار بحياة من مضى من الملوك والزهّاد، فأما من تعب من الصالحين بقي له الثواب الجزيل والذكرُ الجميلُ، وأما من اعتنى باللذة فقد ذهبت وأورثت ندمًا، وبقي العقاب الوبيل للعاصين، فكأنما ما شبع مَن شبع، ولا جاع مَن جاع.
وبالنسبة إلى اتباع الكسل وحب الراحة، فيورث مِن الندم ما يمحق أي لذة، فالأمر يحتاج إلى مجاهدة النفس ومكابدتها، ومن يتعد ذلك فلا يجتنب المحارم أو يؤدي الفرائض تكن له النار. وطلب الفضائل يتفاوت بين الناس، فمنهم من يرى أنها الزهد في الدنيا، ومنهم مَن يراها التشاغل بالتعبد، وعلى الحقيقة فما الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمعُ بين العلم والعمل، فيصل صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، ويخشاه ويشتاق إليه، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وعلى العبد الاجتهاد.
الفكرة من كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
دائمًا ما تكون وصايا الآباء للأبناء مختلفة، فهي تجمع بين الحكمة والشفقة وخلاصة تجارب الحياة، فما بالك إن كان الإمام ابن الجَوْزي هو من سيقدم النصيحة والوعظ؟!
بلسانِ الأب العطوف الحنون المُلقب بواعظ الآفاق ومفخرة العراق، سيطرح لنا الإمام ابن الجَوْزي نصائح عدّة من شأنها المساعدة في استقامة أمور الدين والدنيا وفي سبل كسب العلم، بطريقة سهلة في الطرح، ومؤثرة في القلب، وبالغة الحكمة.
مؤلف كتاب لفتةُ الكَبَدِ إلى نصيحةِ الولدِ
الحافظ ابن الجَوْزي: فقيه حنبلي ومحدّث ومؤرخ، وُلد سنة 508 هـ وتوفي سنة 597 هـ ببغداد، يمتد نسبه إلى أبي بكر الصديق، وعُرف بابن الجَوْزي نسبةً إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط، ولم تكن بالبلدة شجرة جوز سواها، وقيل: نسبة إلى “فرضة الجوز” وهي مرفأ نهر البصرة. وتميّز بغزارة إنتاجه وكثرة مصنفاته، التي بلغت نحو ثلاثمئة مصنف في مختلف العلوم وبخاصة التزكية والرقائق.
توفي أبوه وهو في الثالثة من عمره فتولت تربيته عمته، وأرسلته إلى مسجد محمد بن ناصر الحافظ ببغداد، فحفظ على يديه القرآن الكريم، وتعلم الحديث الشريف، وقد لازمه نحو ثلاثين عامًا.
جلس ابن الجَوْزي للتدريس والوعظ وهو صغير، وكان يحضر مجالسه الخلفاء والوزراء والعلماء والأعيان، وأسلم على يديه نحو مئتين من أهل الذمة، وتاب في مجالسه أكثر من مئة ألف.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
الأذكياء.
صيد الخاطر.
صفوة الصفوة.
أخبار الحمقى والمغفلين.
زاد المسير في علم التفسير.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.