إلى أين انجرفت؟
إلى أين انجرفت؟
من خلال إدراك احتياجات المراحل العمريَّة المختلفة، يُمكن تحديد في أي مرحلة حدث الخلل، وما أثر هذا الخلل، وإن كان الخلل قد أدى إلى لعب دور مزيف بعيد عن الذات الحقيقيَّة.
وهناك أدوار مزيفة عدة كأن تصبح إسفنجة مشاعر بشريَّة، أي شخصًا حساسًا بشكل زائد يعاني قدرًا كبيرًا من التعاطف للدرجة التي تجعله يحمل آلام الآخرين على عاتقه، لا يقول “لا” بسهولة حتى عندما يُطلب منه ما يفوق قدرته، انطوائي ويرهقه الزحام والتجمعات الصاخبة، ويقع فريسة بسهولة لمصاصي الطاقة والنرجسيين الذين قد يحملونه مسؤوليَّة أخطائهم، وقد يجعله ذلك الخلل يأخذ دور شخص مُرْضٍ للدرجة التي تفوق طاقته أو تُخالف قيمه وتتعدى حدوده من أجل إرضاء الآخرين لجعلهم يحبونه، يُسخر حياته من أجل تلبية احتياجاتهم وينسى احتياجاته ورغباته.
أو قد تلعب دور المُنقذ، وهو الشخص الذي يُفرط في مساعدة الآخرين وإنقاذهم، وهذه المساعدة ليست من أجل الصالح العام، بل من أجل حاجة عاطفيَّة أعمق، ويؤدي هذا الإفراط إلى تشجيع الآخرين على الاعتماد على الشخص المُنقذ، وهذا الدور نتاج مرور أحد مُقدمي الرعاية بتعثر، كذلك الشخص الاعتمادي شخص مُتورط بشكل كامل في حياة من حوله لدرجة طمست هويته وعززت روح الاتكاليَّة في سلوكيات من حوله، يُصبح مرتبطًا عاطفيًّا بهم لدرجة تجعلهم يشعرون بالتوتر والضياع إذا ابتعد عنهم، وبالعجز عن إنشاء روابط مع أشخاص آخرين.
تلك الأدوار المزيفة دليل واضح على تدني احترام الذات واستمداد القيمة الذاتيَّة من قبول الآخرين وموافقتهم، وللتخلص منها ينبغى محبة الذات واحترامها ووضعها أولًا، وتخصيص بعض الوقت للاهتمام بالنفس وإعادة شحن الطاقة، والتوقف عن التعلق بردود أفعال الآخرين، وعدم التركيز على مشكلاتهم وتبني موقف أن كل إنسان مسؤول عن إسعاد نفسه وإصلاح حياته، إلى جانب رسم حدود لما يُمكن قبوله ولما لا يُمكن قبوله، وقول “لا” عند عدم الرغبة في فعل شيء ما، ووقف إمداد الدعم عن الاستغلاليين.
الفكرة من كتاب تعافيت.. طريقك نحو التحرر من قيود التعلق العاطفي والإساءات النفسية
“تغافل لكي تستمر الحياة”..
“هكذا هي الحياة”..
“لا أحد سعيد”..
هذه عينة من المُثبطات التي تُستخدم للبقاء في العلاقات السامة، فالطبيعة البشريَّة تُفضل البقاء في منطقة الأمان الضيقة | comfort zone بدلًا من السعي إلى التغيير، وتنتظر أن تتغير الأوضاع وحدها دون تدخل، لكن كما وعد الله -عز وجل- في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، وأولى خطوات التغيير هي خطوة استكشاف البذور المُسرطنة التي غُرست في العقول منذ الطفولة، وكيف تحولت تلك البذور إلى أفكار وسلوكيات وأدوار مُشوهة جعلت من ذويها فريسة سهلة للإساءة والاستغلال.
مؤلف كتاب تعافيت.. طريقك نحو التحرر من قيود التعلق العاطفي والإساءات النفسية
علي موسى: كاتب وخبير العلاقات وتطوير الذات، حاصل على البكالوريوس في علوم الاتصال من كلية الإعلام جامعة القاهرة، ودبلومة الصحة النفسيَّة من جامعة عين شمس، وشهادات من غرفة التجارة الأمريكيَّة والاتحاد الدولي للمدربين في مجال التطوير والقيادة، بالإضافة إلى شهادات من الولايات المُتحدة الأمريكيَّة في مجال التدريب، قدم عديدًا من الاستشارات والمحاضرات في العلاقات الأسريَّة وتطوير الذات داخل مصر وخارجها، كما صدر له عدد من المؤلفات، منها:
كتاب GPS: كيف تعيش سعيدًا بعد الزواج.
اكتفيت: لا مزيد من الوجع – لا مزيد من الخذلان.
الزم حدودك: روشتة واقعية للتعافي من العلاقات المؤذية.