التضحية بالنفس بين الدولة الحديثة والحكم الإسلامي
التضحية بالنفس بين الدولة الحديثة والحكم الإسلامي
من الأمور المسلم بها أنه لا يمكن للإنسان أن يعيش خارج مفهوم المواطنة، كما لا يوجد شيء يتيح للإنسان أن يكون مجرد إنسان إلا الانتماء السياسي لدولة ما، ومن ثمَّ تتأصل في ذات المواطن القدرة على التضحية بالنفس في سبيلها، وقتل الآخرين حفاظًا عليها، وبناءً على ذلك لا تتحقق الدولة الحديثة بشكلها التام إلا بتجنيد المواطن في قواتها المسلحة، ومن ثم فإن المعنى الحقيقي للمواطن هو الاستعداد للتضحية بالنفس في أي وقت ومكان، وهذا القتل والاعتداء في سبيل الدولة يتم من أجل تعزيز ذاتها، لذا فهو غير مبرر أخلاقيًّا، ولخَّص شميث ذلك بقوله: “يولد كل طفل جديد ليكون معتديًا”.
وبناءً على مفهوم التضحية بالنفس من أجل الدولة، يجد المسلمون الطامحون إلى بناء دولة إسلامية أنفسهم أمام إشكالية كبيرة، تكمن في الكيفية التي سوف يبررون بها التضحية من أجل دولة لا تلتزم بالأخلاقي؟ والإجابة أنهم لا يمكنهم تبرير ذلك، لأن الإسلام لم يعرف قط مفهوم التجنيد، كما أنه لم يتحكم قط في الحياة والموت في سبيل أي شخص، بما في ذلك الحياة أو الموت في سبيل الله، فالمسلم العادي في ظل الحكم الإسلامي ما قبل التحديث لم يكن يشترك في الحرب الهجومية في العادة، لأنها فرض كفاية، وإن اشترك فيها كان له الحق في الانسحاب منها قبل بدء المعركة، كما أن الجهاد الدفاعي -إذا نزل عدو بإقليم مسلم- كان خاصًّا بأهل هذا الإقليم والأقاليم القريبة المهددة فقط، وبناءً على ذلك فإن الجهاد مجموعة من التوصيات القائمة على أسس أخلاقية، يكون انتهاكها متعلقًا بضمير الإنسان، إذ لا يوجد حد أو عقاب على رفض الانضمام إلى الحرب، إلا الوعيد بالخسران في الآخرة.
ويتضح بجلاء أن مفهوم التضحية بالنفس في ظل الحكم الإسلامي يختلف بالكلية عن الإجراءات العقابية للدولة الحديثة التي تستهدف الفارين من التجنيد والرافضين له، فضلًا عن أنظمة المراقبة التي أنتجتها من شرطة وسجون، والتي لم يعرف الحكم الإسلامي عنها شيئًا.
الفكرة من كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
يرى حلَّاق أن وجود دولة إسلامية أمر بعيد المنال ومستحيل التحقق، لأن أي مفهوم للدولة الحديثة يتعارض بشكل صارخ مع الحكم الإسلامي ما قبل التحديث، إذ إن الحكم الإسلامي يرتكز على الأخلاق ويخضع لسيادة الله، بينما الدولة الحديثة تجعل الأخلاق هامشية وتخضع لإرادة وسيادة من صنعها، لذا فإن الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم يرجع إلى غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي المتردي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو واقع لا مفر للمسلمين من العيش فيه!
مؤلف كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
وائل حلَّاق: كندي من أصول فلسطينية، ولد لأسرة مسيحية في مدينة الناصرة، وهو باحث ومتخصص في الدراسات الفقهية الإسلامية، درَّس لسنوات في جامعة “ماكجيل” في كندا، ثم انتقل إلى جامعة “كولومبيا” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، من مؤلفاته:
تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني.
الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.
معلومات عن المترجم:
عمرو عثمان: باحث وأكاديمي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، والدكتوراه من قسم دراسة الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية.