الفصل بين السلطات الثلاثة في الدولة القومية الحديثة
الفصل بين السلطات الثلاثة في الدولة القومية الحديثة
تقوم الدولة الحديثة على “مبدأ الفصل بين السلطات”، الذي يعني أن الحكومة تمتلك ثلاث وظائف، وظيفة “وضع القوانين” وتقوم بها السلطة التشريعية، ووظيفة “تطبيق القوانين” وتقوم بها السلطة التنفيذية، ووظيفية “تفسير القوانين” وتقوم بها السلطة القضائية، على أن السلطات الثلاث يجب أن تمارسها إدارات منفصلة ومستقلة ومتساوية، ويمثل هذا الفصل بين السلطات الثلاث العمود الفقري للحرية والحكم الديمقراطي، ومن ثمَّ فإن أي دولة لا تطبق هذا المبدأ، ولا تجعل الفصل بين السلطات الثلاث واضحًا، فهي دولة غير دستورية، وبالتبعية غير ديمقراطية.
بيد أن كثيرًا من الدراسات والأبحاث القانونية وجدت أن هذا المبدأ يعتريه كثير من المشكلات بسبب كثرة الاستثناءات التي ترد عليه، حتى وصفه أحد الباحثين بالمبدأ الفاشل، لأن فكرته التي يقوم عليها -وهي الفصل التام بين السلطات الثلاث- أمر مستحيل في بُنى الدولة الحديثة، فلا توجد دولة قومية تكون فيها السلطة التشريعية هي الجهة الوحيدة المخولة بوضع قواعد قانونية عامة، إذ لا توجد دولة قومية تمنع السلطة التنفيذية أو القضائية من وضع تلك القواعد بصورة واضحة، فرأس السلطة التنفيذية بحكم منصبه يمتلك التشريع في أمور كالحرب والقوانين العرفية والضرورة الاقتصادية، وذلك دون تفويض من السلطة التشريعية.
كما أن المحاكم تمارس وظيفة تشريعية، فهي تملك القدرة على إبطال القوانين بدافع المصلحة العامة والضرورة المنطقية، وبالنظر إلى السلطة القضائية فإننا نلاحظ أنها لا تمتلك القدرة على العمل خارج معايير الدولة القانونية والسياسية، فإذا كانت الدولة تخدم أهداف النخبة المسيطرة، فإن القضاة يقفون في صفها بتفضيل رأس المال والمِلكية، لأن الدولة والقانون يقيدانهم، ومن ثمَّ فإن القضاة يدعمون مصالح الدولة بشكل روتيني، وتلك غايتهم الأسمى، فلا يمكن أن نجد نظامًا قضائيًّا يعمل خارج معايير الدولة القانونية والسياسية، فهم دائمًا جاهزون بشد أزر الدولة في مواجهة الخروج عليها، وكل ذلك يشير إلى وجود تعدٍّ واضح على مبدأ الفصل بين السلطات، ومن ثمَّ ظهرت معضلة درجة الفصل، إذ يدور النقاش حول درجة الفصل التي إذا زادت أو نقصت كثيرًا يفقد المبدأ معناه بالكلية.
الفكرة من كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
يرى حلَّاق أن وجود دولة إسلامية أمر بعيد المنال ومستحيل التحقق، لأن أي مفهوم للدولة الحديثة يتعارض بشكل صارخ مع الحكم الإسلامي ما قبل التحديث، إذ إن الحكم الإسلامي يرتكز على الأخلاق ويخضع لسيادة الله، بينما الدولة الحديثة تجعل الأخلاق هامشية وتخضع لإرادة وسيادة من صنعها، لذا فإن الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم يرجع إلى غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي المتردي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو واقع لا مفر للمسلمين من العيش فيه!
مؤلف كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
وائل حلَّاق: كندي من أصول فلسطينية، ولد لأسرة مسيحية في مدينة الناصرة، وهو باحث ومتخصص في الدراسات الفقهية الإسلامية، درَّس لسنوات في جامعة “ماكجيل” في كندا، ثم انتقل إلى جامعة “كولومبيا” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، من مؤلفاته:
تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني.
الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.
معلومات عن المترجم:
عمرو عثمان: باحث وأكاديمي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، والدكتوراه من قسم دراسة الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية.