الخلود في مستقبل بلا حظ
الخلود في مستقبل بلا حظ
تداعب أحلام التنبؤ بالمستقبل والحياة الخالدة العقل البشري، وتستفزه لتسخير كل إمكانياته للاقتراب تدريجيًّا من تحقيقهما، ومؤخرًا فتحت البيج داتا أبوابًا جديدة أمام التنبؤ بالمستقبل، فأصبح بإمكاننا التنبؤ بسلوكيات الأفراد، ومنع عديد من الجرائم المحتملة بما يعرف ببرامج الأمن الاستباقي، الذي تضخمت مطامعه وسعى أصحابه إلى رصد كل السلوكيات الممكنة للأفراد لتحديد المشتبه بهم لتنفيذ أعمال إرهابية أو إجرامية، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل الأخلاقي الشهير وهو، هل تجرّم النية في عصر الداتا؟ أي إذا نويت ارتكاب جريمة، فهل يقبض عليَّ بسبب ذلك فقط حتى قبل ارتكابها؟
تجريم النية ينزع أحد خصائص الإنسانية وهو التردد، فقد يحكم على الأفراد حكمًا نهائيًّا بناءً على بياناتهم دون منحهم فرصة للتراجع أو إعادة التفكير، وأيضًا تجاهل أي دور للحظ أو القدر في محاولة السيطرة على تأثيره في مجرى الأحداث، فكل شيء يقاس ويخزن ويحلل، ورغم ذلك تعد أمريكا من أكثر البلاد المنتشرة فيها أعمال العنف بين أفرادها، مما يدخلنا في مرحلة شك حقيقي في جدوى طريقة استخدامنا للداتا.
بجانب التغير الذي حدث في مفهومنا عن الزمان، واعتبار الداتا وقت نومنا وقتًا ضائعًا لأننا لا ننتج داتا جديدة، تحرص أدواتها على عولمة حالة من الأرق الرقمي، فعدم النوم أو اضطرابه نتيجة طبيعية لكثرة استخدام المنتجات الرقمية، أما بالنسبة إلى حلم الخلود، فيتحدى العالم الحديث الموت بأدوية استباقية لمنع أسبابه الصحية، ومراقبة المؤشرات الحيوية باستمرار، ومحاولة دمج الإنسان بالآلة عبر توكيل بعض وظائفه الحيوية إليها كالحركة والذاكرة، فهل نصل إلى عالم يمتزج فيه الإنسان بالآلة بدلًا من أن ينافسها؟ وهل يمكن أن تباع حيوات إضافية للأغنياء ليحققوا حلمهم الثمين في الخلود.
الفكرة من كتاب الإنسان العاري.. الدكتاتورية الخفية للرقمية
كتب جورج أورويل روايته الشهيرة “1984” عن عالم خيالي، أفراده مراقبون باستمرار من الحاكم الذي يطلق عليه الأخ الكبير، فما مدى تشابه عالمنا الرقمي مع عالم جورج أورويل؟ منذ أن تفتح عينيك وتتصل بالإنترنت تبدأ مراقبتك، فالداتا تحل محل الأخ الكبير، وتتشابه الرغبة في السيطرة لديه مع شركات الداتا العملاقة، فلماذا ترى المؤسسات التكنولوجية العملاقة بياناتك كنزًا ثمينًا؟ وما تأثيرات العيش في عالم رقمي في إدراكنا ووعينا؟ أين ذهبت الخصوصية والمراقبة السياسية لتكنولوجيا المعلومات؟ وهل ستقودنا الداتا إلى عالم تسيطر عليه الآلات وتستعبد البشر؟
مؤلف كتاب الإنسان العاري.. الدكتاتورية الخفية للرقمية
مارك دوغان : كاتب صحفي وروائي ومخرج سينمائي فرنسي، ولد بالسنغال عام 1957م.
كريستوف لابي: مؤلف وصحفي بمجلة لوبون الفرنسية
معلومات عن المترجم:
سعيد بنݣراد | Said Bengrad: مفكر وباحث وأستاذ السيميائيات بكلية الآداب جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط بالمغرب، وهو المدير المسؤول لمجلة “علامات”، وهي مجلة متخصِّصة في الدراسات السيميائية، نشر عديدًا من المؤلفات منها:
مدخل إلى السيميائية السردية.
البحث عن المعنى.
ومن ترجماته:
-أنا أوسلفي إذن أنا موجود.. تحولات الأنا في العصر الافتراضي.