تاريخ الكثافة
تاريخ الكثافة
حلت الكهرباء في وقت ارتباك الفكر أمام التغير النوعي للكميات القابلة للقياس لتحول عدم قابلية اختزال الكميات المكثفة من عيب إلى ميزة، وانتشر معها مفهوم “الحجم المكثف” لقياس أي شيء غير قابل للقياس، وبذلك يضم مفهوم الكثافة كل ما يخرج عن إطار مفهوم الامتداد الذي يدعم التقسيم والنظام الكمي.
إن الكثافة بالنسبة إلى كانط وهِيجْل ليست فقط استثناءً من الامتداد، بل هي طرفه المقابل، وقد شغل هذا الرأي الفكر الأوربي حينذاك وشكلت الكثافة والامتداد ثنائيًّا متوازنًا في الفكر، ولكن اختزال الكثافة لا يعني سوى فقدانها ميزتها الخاصة، لأن “المكثف” هو كل ما يخرج من التصنيف، ولا يمكنه أن يكتفي بتميزه بشكل ممتد مقارنة بأي مبدأ للتمييز الممتد بين الأشياء.
إن الكثافة قوة نوعية متفردة لا يمكن لنوع أن يقع خارجها، لأن تنوع الكثافة هو نفسه النوع، وبذلك تتحول الكثافة من الاستثناء إلى القاعدة، لأن كل شيء مكثف، ويتحول الامتداد إلى مجرد استثناء تابع للكثافة نفسها.
اعتُقِدَ في الماضي أن الكثافة نتيجة الإدراك في العالم الممتد، أما الآن فقد تبين أن المظهر الممتد للأشياء مجرد أثر لواقع الأشياء المكثف بالأساس، ويُنتج الاستقرار عند إدراك البشر بسبب الحاجة إلى معرفة الأشياء والتعرف عليها مع مرور الزمن.
وبما أن كل شيء متنوع فإن لكل شيء كثافة عدا الكثافة في ذاتها لأنها غير قابلة للتنوع، وبذلك تصبح الكثافة مطلقة ولا يعني ذلك إلا نهايتها، فما إن يدرك الفرد كثافة من الكثافات، تتوقف عن أن تكون مكثفة؛ تفقد الكثافة جزءًا منها عند الإدراك لأنه جزء تحدد مرارًا وتكرارًا.
أما عن المقاومة، فمن أجل مساندة الكثافة ظهرت الحاجة إلى تشكيل موضوع متجدد، وهو الإنسان المكثف.
الفكرة من كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
يعيش الإنسان حياته باحثًا عن الحياة، عن لحظات كهربائية تنعشه وتجعله يصيح “هكذا هي الحياة!”، صار الإنسان المعاصر سريع الملل دائم الرغبة في أن يجرب كل الشعور، وأن يملك كل شيء، وأن يعيش، لا يعيش فقط، بل يعيش بعمق وتنوع وجنون، وأن يعيش بكثافة.
يناقش الكتاب الكثافة باعتبارها مفهومًا فلسفيًّا، ويبحث سبب وكيفية اعتماد الإنسان عليها كنموذج حياتي، ويتطرق إلى مصير الإنسان المحتوم!
مؤلف كتاب الحياة المكثفة: هوس الإنسان الحديث
تريستان غارسيا: فيلسوف وروائي فرنسي، عمل أستاذًا في جامعة أميان، ويعمل حاليًّا مدرسًا مساعدًا في قسم الفلسفة بجامعة ليون، نُشر له عديد من الأبحاث في مجال الميتافيزيقيات.
من أعماله:
Form and Object: A Treatise on Things.
Hate: A Romance.
معلومات عن المترجم:
صلاح بن عيّاد:كاتب ومترجم تونسي، نُشر له عديد من المؤلفات والترجمات، من أعماله:
عودة الورود.
ارتعاشات النحات.
من ترجماته:
“قوة معادية”، لجون أنطوان نو.
“كلاب الحراسة”، لبول نيزان.