في المكتبة
في المكتبة
قضى العقاد معظم حياته في مكتبته التي حوت عشرات الآلاف من الكتب في مختلف دروب التأليف والتصنيف، من الشعر إلى طبائع الحشرات، ومن سير العظماء إلى سير الصغار، ومن الدين إلى الفلسفة والمنطق، ومن القرون الأولى قبل الميلاد إلى القرن العشرين، ومن قطب الشمال إلى قطب الجنوب، كُتبٌ في كل شيء وعن كل شيء، إلا أنها تلتقي في نهاية واحدة، وتجتمع في باعث واحد على قراءتها وهو “الاستزادة من الحياة”.
وبين الرفوف رفٌ أفرغه العقاد لمدارس الفن القديم والحديث، وفي كل مجلد من المجلدات عشرات الصور لتماثيل اليونان والإغريق وقدماء المصريين ولتماثيل الواقعيين المعاصرين، وقد كان العقاد محبًّا للفنون يرى أنها أداة من أدوات الشعور والأخلاق، ولا يصلح أن تستغني عنها أمة منكوبة تحت مزاعم العناية بالعلم وتقديمه على ما سواه من أجل اللحاق بركب التقدم.
وأما ركن الشعر والشعراء فهو ربع مكتبة العقاد تقريبًا، والشعراء ليسوا أولئك الذين يتقنون الكلام ولا يجيدون العمل، وإنما يشغلهم عن العمل اشتغالهم بصناعة التعبير، والشعر والعمل يرجعان معًا إلى الوعي الأصيل، ولم يكن العرب أمة عاملة إلا عندما كانوا أمة قائلة، واليوم الذي أهملوا فيه الشعر واحتفوا بالواقع هو اليوم الذي ركنوا فيه إلى الخمول والكسل.
وفي مكتبة العقاد لوحاتٌ عاش بينها، هناك صورة فتاة حزينة على قبر حبيبها الدفين، وهناك محمد عبده، وسعد زغلول وجمال الدين الأفغاني وبيتهوفن، وصورتان له بعد الأربعين وبعد الخمسين، وكل هذه الصور إنما يجمع بين أصحابها الجد والكفاح ونبل السليقة وقلة الاستخفاف.
الفكرة من كتاب أنا
يبدو العقاد في نظر الكثيرين جبارًا وحادًّا مع من يخالفه، ويظن الناس به صلابة لم تُعهد في عالم الأدب، وما أكثر ما يرميه الناس بالعزلة والانطواء وعدم فَهم واقع الحياة لقلة اختلاطه بها ولطول ما عايش الكتب، ولكنه في هذه السيرة الذاتية يكشف عن جانب من حياته الخاصة، يكشف عن طفولته وعن طباعه وأخلاقه، ويزيح الستار عن فلسفته في الحياة والحب والقراءة والكتابة، ويتكلَّم عن نفسه كما يراها هو لا كما يراها الناس.
مؤلف كتاب أنا
عباس محمود العقاد: أديب وشاعر ومفكر وفيلسوف وسياسي وصحفي، ولد في محافظة أسوان في الثامن والعشرين من شهر يونيو لعام 1889م، وتلقى التعليم الابتدائي الذي اكتفى به عن غيره من مستويات التعليم.
حصل على عضوية المجمع اللغوي وتم تكريمه كثيرًا، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 جائزة الدولة التقديرية ويشاع أنه رفض تسلُّمها، كما منحته جامعة القاهرة درجة الدكتوراه الفخرية فرفضها.
وقد اقترن اسم العقاد بكثير من المعارك الأدبية والفكرية مع كبار شعراء وأدباء عصره، وخاض كذلك العديد من المعارك السياسية، ولكن ذلك كله لم يمنعه أن يكون مؤلفًا مُكثرًا ومجيدًا فتجاوزت مؤلفاته المائة، ومن أشهر كتبه:
العبقريات.
الفلسفة القرآنية.
ساعات بين الكتب.
أشتات في اللغة والأدب.
التفكير فريضة إسلامية.