بين القراءة والكتابة
بين القراءة والكتابة
عاش العقاد حياته منذ بواكير صباه بين الكتب قراءةً ومطالعةً ثم تأليفًا، وقد قرأ في كل شيء تقريبًا، وكان يرى أن العلوم والمعارف وإن تباعدت في ظاهر الأمر إلا أن لها دائمًا أصلًا يجمعها ورابطًا يوثق بينها، والقراءة عنده هي استزادة من عمر الحياة المحدود، فكل كتاب يضيف إليك حياة إنسان آخر، وكل فكرة تضمها إلى مجموع أفكارك تنتج فكرة جديدة، وليس حب الكتب زهدًا في الحياة، بل على العكس كما يقول العقاد: “أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني”.
ومن بين آلاف المؤلفات والموضوعات أحب العقاد كتب فلسفة الدين والتاريخ الطبيعي وتراجم العظماء وكتب الشعر، وكانت هذه دون غيرها تستولي على اهتمامه لأنه يرى فيها جميعًا مساسًا بسر الحياة، فالشعر هو مترجم العواطف، والتاريخ الطبيعي بمثابة سجل مصور لأشكال الحياة المختلفة، وتراجم العظماء هي صورة لأسمى مراتب الحياة البشرية، وفلسفة الدين تبحث ما بعد الحياة وما قبلها، فهذه الكتب تمثِّل نافذة على أسرار الحياة وحقائقها.
ولمَّا اتجه العقاد للتأليف كان له نمطه الفريد ومنهجه الخاص في هذا الدرب، ويُلخصه في “التقسيم والتنظيم”، فهو يتبين الأقسام الأساسية للكتاب قبل الشروع فيه، ثم يختار لكل قسم عنوانه المناسب، ثم يجمع المصادر المختلفة التي تلزم لكل باب سواء كان قرأها أم لم يقرأها، ثم يبدأ في مراجعة هذه الكتب حسب الأقسام التي اختارها مسبقًا لكتابه، ويصنع قصاصات تشير إلى المواضع التي قد يحتاج إلى إعادة النظر فيها مرة أخرى، فإذا استتبَّ له ذلك بدأ في التأليف، حتى إذا فرغ جاءت مرحلة التنظيم والتصفية في النهاية ليخرج كتابه في أحسن صورة.
الفكرة من كتاب أنا
يبدو العقاد في نظر الكثيرين جبارًا وحادًّا مع من يخالفه، ويظن الناس به صلابة لم تُعهد في عالم الأدب، وما أكثر ما يرميه الناس بالعزلة والانطواء وعدم فَهم واقع الحياة لقلة اختلاطه بها ولطول ما عايش الكتب، ولكنه في هذه السيرة الذاتية يكشف عن جانب من حياته الخاصة، يكشف عن طفولته وعن طباعه وأخلاقه، ويزيح الستار عن فلسفته في الحياة والحب والقراءة والكتابة، ويتكلَّم عن نفسه كما يراها هو لا كما يراها الناس.
مؤلف كتاب أنا
عباس محمود العقاد: أديب وشاعر ومفكر وفيلسوف وسياسي وصحفي، ولد في محافظة أسوان في الثامن والعشرين من شهر يونيو لعام 1889م، وتلقى التعليم الابتدائي الذي اكتفى به عن غيره من مستويات التعليم.
حصل على عضوية المجمع اللغوي وتم تكريمه كثيرًا، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 جائزة الدولة التقديرية ويشاع أنه رفض تسلُّمها، كما منحته جامعة القاهرة درجة الدكتوراه الفخرية فرفضها.
وقد اقترن اسم العقاد بكثير من المعارك الأدبية والفكرية مع كبار شعراء وأدباء عصره، وخاض كذلك العديد من المعارك السياسية، ولكن ذلك كله لم يمنعه أن يكون مؤلفًا مُكثرًا ومجيدًا فتجاوزت مؤلفاته المائة، ومن أشهر كتبه:
العبقريات.
الفلسفة القرآنية.
ساعات بين الكتب.
أشتات في اللغة والأدب.
التفكير فريضة إسلامية.