رغبةٌ مستحيلة
رغبةٌ مستحيلة
في معترك الحياة وبين كل تلك الأحكام التي لا نستطيع الانفكاك عنها، بين حب وبغض، وخير وشر، نتمنى لو استطعنا النظر إلى كل جوانب شخص ما فيتسنى الحكم عليه بإنصاف، أو يُحكم علينا بإنصاف كذلك.. يبدو أن هذا حلمٌ جميلٌ مُغرٍ، لكن أهو قابل للتنفيذ؟
لا يمكننا معرفة أحدهم إلا إذا تسنت لنا رؤيته من ثلاثة مستويات: الفاعل الاجتماعي، والفاعل المحفز، وأخيرًا مؤلف سيرته الذاتية، ففي الفاعل الاجتماعي تتعرف طباع المرء التي تنحصر في الانبساطية والعصابية ويقظة الضمير والوفاق والانفتاح، وتلك الصفات تتفاوت فينا جميعًا، ولا تعبِّرُ عن تميزنا الفردي كما يفعل ذلك الفاعل المحفز، إذ يتضمن الأهداف والقيم التي يمكن اعتبارها مساعي أخلاقية، وهي سريعًا ما تتغير، أما سرد السير الذاتية فهو محاولة منا لفهم أنفسنا بحيث نربط فيها بين معتقداتنا وقيمنا بشكل يجعل لحياتنا معنًى، آملين في أن تعطي قصصنا صورةً واضحة عنا، لكن هل يمكن أن تروى قصصنا كاملةً دون تزييف أو تصنيف؟
إننا حين نسرد سيَرَنا الذاتية ندرك أن الحُكم على قصص حياتنا مُقيَّد بما نختار إدراجَه فيها أو إبرازه أو بما نختار ألَّا نذكره أصلًا، ولكي نصدر حكمًا كاملًا على حياةٍ ما، ينبغي أن يكون السرد مطابقًا للحادثة، وهذا عسير، إذ إن كل فردٍ يحاول تسيِيرَ روايته وفقًا لمنظوره الخاص، إذ إننا نخضع حكاياتنا لمنحى السرد القصصي، الذي دائمًا ما يكون لدنيا تحكم فيه، على خلاف تحكمنا في اللحظة المحكي عنها، ولذا نجد دائمًا أننا حينما نأتي لنقُص سِيَرنا، نستخدم طرائق سرد مألوفة، مثل: التغلب على الوحوش -المصاعب- أو سرد سعينا، أو رحلاتنا التي خُضناها، أو كيف أصبحنا أثرياء، فإما أن نروي قصصنا بصورة كوميدية أو تراجيدية، وعلى العموم فإن كل أنواع السرد تجعل الحياة المتضاربة والعصية على الفهم سهلة مبسطة، وهذا ما يختلف تمامًا عن واقع معايشتها، لذا يدعونا الأدب إلى أن نصبح أقلَّ سذاجة وأكثر حذرًا في تصوراتنا، وأن يرى بعضُنا بعضًا من منظورٍ دائم التغير.
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.