الحكم بين المنطق والأخلاق
الحكم بين المنطق والأخلاق
إذا ما تأملنا الأحكام التي نصدرها، فسنرى أن جُلها مليءٌ بتحيزٍ غير واعٍ، إذ نُقيِّم الأفعال من منظور أخلاقي مؤطرٍ بهوياتنا الاجتماعية، ومن ثم نلبس أحكامنا زي المنطق والعقل، وهذه الأخلاق تعتمد على أسس خمسة: المراعاة مقابل الأذى، والإنصاف مقابل الغش، والولاء مقابل الخيانة، والسلطة مقابل تقويضها، وأخيرًا القداسة مقابل الانحطاط.
فلا يمكن الفصل بينها إذا ما أردنا إنشاء عالمٍ أوضح حدودًا وأفضل تنظيمًا، وإذا اعتمدنا الفصل بينها كما يفعل الليبراليون، فسيخلق هذا في نهاية المطاف صورةً عامةً تتسم بالفوضى وانعدام المسؤولية.
لذا تدل الصور المنبثقة من أبحاث علم النفس أنه إذا كان علينا فعل شيء فيجب أن نتوخى الحذر من أن نتبنى صور الإنصاف والحياد عن أنفسنا، إذ لا يمكن أن نرى العالم سوى من منظور الانتماء إلى الجماعة والسياقات الاجتماعية، وهنا قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال، هل نحن ضحايا المجتمع؛ ننساق بلا وعي إلى الأحكام الأخلاقية ولا نستطيع الانفكاك عنه ولا عن أحكامه وتصوراته، بما في ذلك الانتماء السياسي؟
إن من العجيب أننا من نختار الامتثال طواعيةً لمعايير المجموعة، إذ نُقيِّم المجموعات التي تمثلنا قبل أن نسمح لمعاييرها بأن تَحكُم سلوكنا، وهنا نواجه مشكلة أخرى، إذا كانت أحكامنا منبثقة من مجتمع معين، فكيف لنا أن نعترف بالمجتمعات الأخرى، وكيف لنا أن نحكم عليها؟
أظهر خبير علم النفس دَانيال كَانمان | Daniel Kahneman، أن لدينا نظامين فكريين يوجهان أحكامنا وقراراتنا، أولهُما سريع بدهي لا يحتاج إلى إمعان نظر يوجهُنا دون وعي منا، والآخر بطيء ملحوظ يحتاج إلى تأمل وتروٍّ، فنظام الفكر الأول مليء بالتحيزات والمغالطات والاستدلالات التي تجعلنا عرضة للأوهام الفكرية، أما نظام الفكر الثاني فقادر على تصحيح الأخطاء التي ارتكبها الأول، إذ يدفعنا النظام الأول إلى التركيز على النتائج، بينما النظام الثاني يركز على الإحساس بماهية الفعل المقصود، ومن ثم يمكن أن يعدل رد الفعل الأول الأكثر تلقائية، ولن تتحقق رؤية الإنسان بوصفه إنسانًا إلا إذا جمع بين النظامين.
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.