الاصطدام والألم الاجتماعي
الاصطدام والألم الاجتماعي
لا يَخفى على الجميع أن الإنسان كائن اجتماعي يعيش وسط زخم هائل من الأعراف والتوقعات والتقلبات، وبينما يحاول المرء فهمها سرعان ما يصطدم بالواقع وأحكامه، فيَنْتابه عديد من أشكال الألم الاجتماعي الذي يتمثل في الشعور بالإحراج أو الذنب أو العار.. فما حقيقة تلك المشاعر؟
يبدو للوهلة الأولى أن المواقف المحرجة مواقف تافهة تحدث جراء زلة حمقاء أو خطأ غبي، لكن ما لا نعرفه أن المواقف المحرجة تحمل المرء عبئًا ثقيلًا وتشعرُهُ بألم يشبه الآلام الجسدية في حدَّته، إذ يُحْكَم عليه بسبب تلك المواقف بأنه شخص مرتبكٌ اجتماعيًّا، مما يعرضه للنبذ والعزلة، وحينئذٍ سيتحَكم في سلوكنا شعورا الذنب والعار اللذان يُعدان من أقوى الاستجابات للأحكام الاجتماعية، فعبارة “يا للعار! يجب أن تخجل من نفسك!” تتكرر على مسامعنا كثيرًا، فما الذي يعنيه العار؟ وما الفرق بينه وبين الذنب؟
إن العار شعورٌ يضرب في قيمة الذات أو الشخصية، فهو حكمٌ على كل جوانب الشخصية بسبب شيء لا سلطة لها عليه، ومن ثم لا يمكن إصلاحه، فيرى من يشعر بالعار أن الخلل أو المشكلة فيه ذاتيًّا، فهو شعور مدمر لا طائل من ورائه، يدفع المرء إلى التخفي والانزواء ظانًّا أنه لو انخرط في الناس لَمَا رأوا فيه إلا معايبه ومساوئه، فيتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه، أما الشعور بالذنب فلا يضع الشخص كله في الحكم، بل يسلط الضوء على الخطأ فحسب، معطيًا القدرة على التحكم في الفعل، تاركًا المجال لإصلاحه، لأنه فعل شيئًا سيئًا فحسب، فيكون مضاد الشعور بالذنب الفخر، ومضاد الشعور بالعار الغرور.
وحتى نتلافى تلك الأحكام القاسية والمشاعر المؤلمة، قد نضطر إلى المواراة فنظهر حينًا ونختفي آخر، فنختار بدقة ما نكشفه وما نخفيه طبقًا للموقف والسياق، فنطوع اللغة لنستخدمها بمهارة للتواصل بطرائق ماكرة غير مباشرة، مما يسمح لنا بإنكاراتٍ معقولة، أو اختبار نوع العلاقة التي نكون فيها ونتجنب المعرفة العامة طمعًا في الوصول إلى معرفة مشتركة، مما يمنحنا فرصة لمعالجة المواقف وحفظ ماء وجوهنا.د
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.