العقاد والوظيفة
العقاد والوظيفة
من العجيب أن العقاد كما يروي عن نفسه قد عمل موظفًا منذ بلغ الخامسة عشرة من عمره، ولكنه سرعان ما ضاق بها كما ضاق بغيرها من الوظائف التي عمل فيها بعد ذلك، ولما عقد العزم على هجر الوظائف الحكومية والتفرغ للاشتغال بالصحافة كتب مقالًا بعنوان “الاستخدام رق القرن العشرين”، وكان عمره آنذاك لم يتجاوز التاسعة عشرة، ليكون بذلك فيما يُرجح أول من هجر الوظائف الحكومية، وقدم الاستقالة بمحض إرادته يوم كانت الاستقالة والانتحار سواء!
ولم يكن عباس مرتاحًا لأمر الوظيفة منذ اللحظة الأولى، فهي في رأيه باب من أبواب التسخير والاستعباد، لذا فقد سعى إلى التخلص منها والاشتغال بغيرها وخطر بباله وهو دون الثامنة عشرة أن يصدر صحيفة أسبوعية، وبالفعل بدأ في التخطيط لها، إلا أن موقفًا عرض له في منتصف الطريق قد صرفه عن ذلك، واختار أن تكون علاقته بالصحافة من بعيد، يكتب ويرسل إليهم لينشروا هم، وظل العقاد يكتب للصحف متنقلًا بينها حتى كان انتظامه لأول مرة مع الأستاذ محمد فريد وجدي، الرجل الذي أعجب به أيما إعجاب، فهو رجل المبادئ.
أما عن منهج العقاد في كتابة المقالات فقد كان يعتمد في موضوعات مقالاته الأدبية على العناوين التي تُطلب منه، وأما عن طريقة كتابة المقال فقد كان يعمد إلى أصول الموضوع ورؤوس أقلامه ويستحضرها في ذهنه، ثم يبدأ في مناقشة الموضوع مستعرضًا أقوى الحجج في إثبات رأيه، معتمدًا على التسلسل المنطقي للأفكار، فإذا ما انتهى عاد إلى بداية المقال وباشره بالتنقيح والمراجعة حتى يُهيئه للنشر في أحسن صورة.
الفكرة من كتاب أنا
يبدو العقاد في نظر الكثيرين جبارًا وحادًّا مع من يخالفه، ويظن الناس به صلابة لم تُعهد في عالم الأدب، وما أكثر ما يرميه الناس بالعزلة والانطواء وعدم فَهم واقع الحياة لقلة اختلاطه بها ولطول ما عايش الكتب، ولكنه في هذه السيرة الذاتية يكشف عن جانب من حياته الخاصة، يكشف عن طفولته وعن طباعه وأخلاقه، ويزيح الستار عن فلسفته في الحياة والحب والقراءة والكتابة، ويتكلَّم عن نفسه كما يراها هو لا كما يراها الناس.
مؤلف كتاب أنا
عباس محمود العقاد: أديب وشاعر ومفكر وفيلسوف وسياسي وصحفي، ولد في محافظة أسوان في الثامن والعشرين من شهر يونيو لعام 1889م، وتلقى التعليم الابتدائي الذي اكتفى به عن غيره من مستويات التعليم.
حصل على عضوية المجمع اللغوي وتم تكريمه كثيرًا، ومنحه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959 جائزة الدولة التقديرية ويشاع أنه رفض تسلُّمها، كما منحته جامعة القاهرة درجة الدكتوراه الفخرية فرفضها.
وقد اقترن اسم العقاد بكثير من المعارك الأدبية والفكرية مع كبار شعراء وأدباء عصره، وخاض كذلك العديد من المعارك السياسية، ولكن ذلك كله لم يمنعه أن يكون مؤلفًا مُكثرًا ومجيدًا فتجاوزت مؤلفاته المائة، ومن أشهر كتبه:
العبقريات.
الفلسفة القرآنية.
ساعات بين الكتب.
أشتات في اللغة والأدب.
التفكير فريضة إسلامية.