الضباط الأحرار من البداية
الضباط الأحرار من البداية
لم تكن أحداث 9 و10 يونيو وليدة خطط مدبَّرة لأجهزة السلطة فقط، بل ارتبطت كذلك بأوضاع سياسية وأيديولوجية منذ زمن وصول ذلك النظام إلى السلطة، على مدى عقد ونصف العقد ولكن بقدر ما كان هذا الحدث عفويًّا فهو في نفس الوقت ابن “التعبئة”، ويريد الكاتب الخوض في الوعي العام الذي تم تشكيله في تلك الفترة بأدوات السلطة.
لا شك أن حكم الضباط الأحرار كان حكمًا عسكريًّا اعتمد منذ بدايته على وحدات من الجيش إلا أنه لاقى ترحيبًا جماهيريًّا من مختلف الطوائف وقتها، كما كان تنظيمًا مستقلًّا، فبالإضافة إلى عدم ميله للنظام الحاكم، لوم يكن مواليًا كذلك لفئات المعارضة إذ خلع أعضاؤه انتماءاتهم السياسية السابقة.
في مارس 1954م، قامت مواجهة بين حركة الضباط والقوة المعادية لها المنادية بالديمقراطية، فبعد قرار 5 مارس الخاص بوضع الدستور والتهيئة لعودة الجيش إلى ثكناته كان من بين الضباط من عارض ذلك القرار، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر وكأنه صاحب “الوصاية” على الشعب، وقد حدث ما أراده، حيث أصبح للضباط السلطة العليا المنفردة في كل نواحي الحياة السياسية، خصوصًا بعد تصفية المعارضين التي أنتجت هدوءًا سياسيًّا جعل الضباط يشعرون بقرب تحقيق هدفهم بتربية شعب تربيةً تجعله يسير خلفهم في كتبٍ متراصَّة.
ولخلق شعب موحَّد معقَّم مما هو سياسي، يجب حصر السلطة في رجل واحد، وعلى ذلك يكون التحكم في كل السلطات المستقلة كالبرلمان الذي يجب أن يضم كله أفرادًا موالين له، ولإضفاء الطابع الشعبي يجب أن تكون كل التحركات باسم الشعب حتى لو لم تمُت إلى إرادته بصلة، كتصوير انقلاب يوليو كثورة باسم الشعب، وقد تم إلغاء المجال السياسي على نحو حازم، حيث أُلغيت الأحزاب وفُرضت الرقابة الشديدة على الصحف، ليتم خلق فئة من الشعب تسير ككتلة واحدة وفق إرادته، وهذا ما حدث، وتحقق فعليًّا في 1956م مع الاستفتاء عليه رئيسًا للجمهورية بنسبة تسعة وتسعين وتسعة وتسعين من مائة بالمائة، وهذا ما أسماه الكاتب بـ”الزحف المقدس”.
الفكرة من كتاب الزحف المقدس
في أعقاب نكسة 5 يونيو 1967م وخسارة سيناء، سادت الصدمة المُفاجئة بين الجماهير المصرية التي غُيّبت بأكاذيب إعلامِ نظامِه، وكما كان مُتوقعًا لشعبٍ سيتعامل مع نظامِه الفاشل بعد الهزيمة، نراه يُفاجئ العالم بخروجه طالبًا عدم تنحي رأس ذلك النظام جمال عبد الناصر، يُحلِّل هذا الكتاب الذي بين أيدينا الوضع آنذاك، ليذكر الأمر من بداية وصول الضباط الأحرار إلى السلطة، باحثًا عن كل ما كان سببًا في مظاهرات يومي 9 و10 يونيو المُطالِبة بعدم تنحِّي رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر.
مؤلف كتاب الزحف المقدس
شريف يونس: كاتب سياسي مصري، وعضو مؤسس بهيئة تحرير البوصلة، تركَّزت أعماله على التاريخ والفكر السياسي والأيديولوجيا، وحصل كتابه “البحث عن الخلاص” على جائزة الأدب السياسي بمعرض الكتاب عام 2015م.
من أهم أعماله: سيد قطب والأصولية الإسلامية، نداء الشعب: تاريخ نقدي للأيديولوجيا الناصرية، والبحث عن الخلاص: أزمة الدولة والإسلام والحداثة في مصر، وسؤال الهوية: الهوية وسلطة المثقف في عصر ما بعد الحداثة.