عقدة القول
عقدة القول
دارت الأيام وقُدّر أن يعود موسى إلى فرعون الذي ترك مصر بسببه أعوامًا، ولكنه هذه المرة سيعود داعيًا، ولكي يبلغ رسالته إليه كان يحتاج إلى قلب واثق ولسان فصيح يضرب بسوط الكلمات، لذلك ناجى ربه قائلًا: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾، حتى أجابه الله: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ﴾.
أحيانًا تكمن كل مشكلة المرء في انعقاد لسانه، فيكون صاحب فكرة مؤثرة لكن لا يتمكن من عرضها، ومفتاح هذا الأمر في مثلث أضلاعه: القراءة والحفظ والإلقاء.
تجعلك القراءة تعيش حيوات شعوب، وتسفرّك إلى بلاد من الشمال إلى الجنوب وأنت جالس على أريكتك، فقط لأنك فتحت كتابًا، ولتدرك هذا المقصد من الكتابة عليك أن تختار كتبًا ثمينة لا ركيكة، مثل: مدارج السالكين لابن قيم الجوزية، وكتب ابن عثيمين في الفقه والنحو، وتفسير معلمه الشيخ السعدي، وكتاب الهاشميّ جواهر الأدب الذي يفتح الطريق بعد ذلك لكتاب الحصري زهر الآداب وغيرهم من روّاد البلاغة.
أما الحفظ فهو درعك عند نقطة الخلاف، فاحفظ آيات من القرآن الكريم تكن مرجعك عند التيه، وأحاديث نبوية تكن قولًا فاصلًا عند الاختلاف، ولا بأس بقليل من أبيات الشعر تضفي مرحًا لغويًّا على الحديث.
وأخيرًا الإلقاء الذي هو الثمرة، إذ يمهد لك السابق لتحصل على عرض جيد لحديثك، وإيضاح تام لمقصدك الذي جئت تُلقيه، ويؤهلك في النهاية إلى حسن المواجهة.
ولكي تخرج من المواجهة منتصرًا يجب أن تكون صادقًا وتبرهن على صدقك بأدلة متينة، واحذر فخاخ التناقض فقد تودي بكل الحجج، وإن أخطأت في أمر فأقرّ به ولا تنكره، فهذا فرعون لما واجه موسى أراد التلاعب على نفسه فذكره بذنبه السابق ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، كان ينتظر من موسى أن يتملّص من ذنبه، أو يدافع متذرعًا بكذبة، ولكن جاء جواب موسى صادقًا قاطعًا لكل ظنّ: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾.
الخطأ مرة يعلمك تفادي تكراره ألف مرة في ما بعد، وشأن النبلاء أن يعترف المخطئ ويعفو صاحب الحق، بلا مواربات أو كذب أو مشاحنات أو رواسب حقد في القلب.
الفكرة من كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
قصة دعوة نبيّ الله موسى -عليه السلام- من أقرب قصص الأنبياء إلى قلوب العباد، لأنها تلمس زلات المرء وضعف حيلته لولا إرشاد الله ومعيته له.
ومن خلال رحلتنا مع كتابنا نستخلص قيمًا وقوانين تؤوينا إلى الظل حيث تخطّي الهفوات ومعالجتها، فلكل موقف في حياة موسى -عليه السلام- حكمة يرسلها لنا الله على هيئة قصة، فلا نبرحها حتى نبلغ المقصد ونحفظه عن ظهر قلب.
مؤلف كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
علي بن جابر الفيفي: حاصل على درجة الماجستير في تخصص الدعوة، يعمل محاضرًا في قسم اللغة والشريعة في كلية البرامج المشتركة بالمحالة، له أبحاث علمية مميزة في هذا المجال.
من أهم أعماله:
الرجل النبيل، لأنك الله، سوار أمي، حلية الوقار.