مفهوم الدين
مفهوم الدين
الدين اعتقاد يتبعه عمل، سواء كان هذا الاعتقاد حقًّا أم باطلًا، قال تعالى: ﴿لَكُمۡ دِینُكُمۡ وَلِیَ دِینِ﴾، فالغرض من الأديان صلاح أحوال الناس في دنياهم وأخراهم، ويقتضي الدين سير أتباعه عليه والامتثال له، ويكون لفظ الدين متحققًا لما جاءت به الأديان السماوية، وما عداه من أديان أو قوانين بشرية فيطلق عليها دين من حيث رجاء الالتزام والامتثال لها.
لكن من المعلوم أن طبائع الناس وأفهامهم وحياتهم ليست واحدة، لذا سنجد في الأديان السماوية السابقة أنها جاءت لتخاطب قومًا بعينهم، فلم تشمل اليهودية ولا النصرانية جميع البشر، بل اختصت كل دعوة بقومها، لكن مع ذلك لم تختلف أصول التشريع الإلهي للبشر عامةً، فقد قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّینِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحࣰا وَٱلَّذِیۤ أَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡكَ وَمَا وَصَّیۡنَا بِهِۦۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَمُوسَىٰ وَعِیسَىٰۤۖ﴾. لم يستمر انقطاع البشر بعضهم عن بعض، فقبل حلول الإسلام حدث مزج كبير بين ثقافات الناس ومعاشهم، فلم يعد كل فريق منهم في وادٍ، بل حصل من الحروب بين الفرس والروم ما قرّب المسافات بين الشرق والغرب، كما أن التجارة كانت منتشرةً جدًّا بين البلدان، مما أدى إلى تداخل الثقافات وتأثُّر كل قوم بغيرهم، كما أن هذا الوقت كان يحوي تداخلًا بين الحق والباطل، فجاء الإسلام قاطعًا الشك باليقين، مبينًا الحق من الباطل، ولذا كان أول ما اتصف به الإسلام أنه دين شمولي، واقتضى بذلك أن جعل الله الفطرة عماد تشريعه، فقال تعالى: ﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱلله ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱلله﴾،
فما الفطرة؟ إن الفطرة مرتكزُ النفس الإنسانية، من حيث استعداداتها وميولها، فإن الناس قبل الإسلام كانوا أبعد ما يكون عن السواء والاعتدال، فجاء الإسلام ليذكرهم بما يجب أن يكونوا عليه، وما تألفه نفوسهم، وهو داعٍ لصلاح حالهم في الدنيا ومآلهم يوم القيامة.
وأول ما نبههم له هو معنى العبودية، والتوحيد لله تعالى، فإن المتأمل في فطرته واحتياجه سيصل إلى هذه النتيجة لا محالة، وباقتضاء مفهوم الفطرة وُصف الدين بالاعتدال والتوسُّط فقد قال تعالى: ﴿وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا﴾، فلا تفريط ولا إفراط. واتسم الإسلام بأنه دين الحقيقة، فقد جاء لينفي الأوهام والخيالات والخرافات ويثبت الحق، ومن أبرز الأمثلة نفيه التبني الذي كان في الجاهلية، فقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ ذَ ٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَ ٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِی ٱلسَّبِیلَ﴾.
إذًا فالدين مبناه اعتقاد وعمل، وبهما ينصلح حال البشرية، والبشرية عمادها الفرد، لذا وجب أولًا أن نتحدث عن صلاح الفرد.
الفكرة من كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
كيف تُبنى النظم الاجتماعية؟ يعد الحديث عن المجتمع وأسسه من عوامل تقدّم المجتمع وانحطاطه، مما أثار تساؤل الكثيرين قديمًا وحديثًا؛ يتناول البعض البحث عنه من جانب الإنسان وتطوّره، ويتناول البعض الآخر البحث من جانب الحكومات، وما ينبغي توفيره لصلاح مجتمعاتها، لكن هل يدخل الدين في إصلاح هذا الأمر؟ أم أن الدين متعلق فقط بما يعتقده المرء ولا يُرجى منه عمل في الحياة الاجتماعية؟
يحدثنا الكاتب عن الدين بمفهومه الشامل، والغرض منه، من تغييره في فكر المرء وصلاح حاله، ومنه إلى صلاح المجتمع. فما الدين؟
مؤلف كتاب أصول النظام الاجتماعي في الإسلام
محمد الطاهر بن عاشور: عالم وفقيه تونسي، أصل أسرته من الأندلس، ولد بتونس عام 1879م، تعلم بجامعة الزيتونة، ثم أصبح من كبار أساتذتها. تولى منصب القضاء المالكي عام 1911م وارتقى لمرتبة الإفتاء في عام 1932م، واختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، وكان أول شيخ بجامعة الزيتونة. وقد ألف الشيخ في العلوم الإسلامية والعربية، ومن أبرز مؤلفاته:
تفسير التحرير والتنوير.
مقاصد الشريعة الإسلامية.
أصول الإنشاء والخطابة.
موجز البلاغة.