خروج عن النص!
خروج عن النص!
لقد بُني السر على هدم كل ما ذكرناه سابقًا، كما أنه بُني في الأساس على ادعاء علاقة ميكانيكية بين الإنسان بخواطره وأفكاره وبين الكون، فالإنسان يرسل والكون يستجيب، إلا أن الترجمة كما ذكرنا حاولت ككثير من الأفكار المستحدثة اليوم إضافة صبغة إسلامية وعمل تحريف لفظي للنصوص الأصلية في الكتاب كما رأينا، فتحول الكون إلى الله، ومن ثم أصبحت العلاقة بين عقل الإنسان والله سبحانه، فالإنسان يرسل والله يستجيب هكذا فورًا! تعالى الله عن ذلك، ومع ذلك فإن الترجمة تأتي في مواطن أخرى وتثبت فاعلية الكون وتحقيقه لطلبات الإنسان وأمانيه وأنه يعمل بذاته، فتخرج من الترجمة مضطربًا إن كنت واعيًا للتشويه الحاصل ابتداءً من الألفاظ والأفكار وصولًا إلى الاستشهاد بالنصوص في غير مواضعها، بل وتطويعها لتوافق الفكرة المحرفة!
وليس هذا مقصد الكتاب أصلًا، الكتاب لا يتطرق إلى وجود الخالق فضلًا عن أن يدعوك إلى طلبه ودعائه وحسن الظن به، إنما يدعوك إلى حسن الظن بالكون، يدعوك إلى تعظيم نفسك لأنك المتحكم والسيد، يدعوك ألا تفكر إلا في ما تريد فقط، لأن الكون لا يفرق بين الطلب المثبت والطلب المنفي، فكيف بعد هذا تحل الترجمة الله سبحانه محل الكون! لا شك أن هذا بهتان عظيم.
قد يفهم أن الترجمة ربما أرادت أن توافق المناخ العربي الإسلامي فقامت بما قامت به، إلا أن ما قامت به أيضًا باطل مؤسس على باطل، وهذا ما يفعله الكثيرون اليوم من دعاة قانون الجذب والتنمية البشرية من الاستشهاد بنصوص مقدسة من الكتاب والسنة، وتلفيقها لتتوافق مع الأفكار التي يرغبون بتمريرها، وقد يستشهدون بأحاديث مكذوبة أو موضوعة، وتفاسير للآيات مغلوطة وبعيدة كل البعد عن المعنى المراد.
الفكرة من كتاب خرافة السر
أطل علينا قبل عدة سنوات كتاب صُدر إلينا من الغرب المادي، كتاب يدعي أنه يمكنك أن تحقق وتحصل على كل ما تريد فقط من خلال إعمال عالم الأفكار، وظهر لنا بفكرة يحسبها جديدة وهي في الأصل قديمة، ألا وهي فكرة قانون الجذب، القانون الذي يعمل دائمًا، القانون الذي يضمن لك كل خير أو شر بحسب أفكارك أنت، فهو لا يدعو إلى التفاؤل أو الإيجابية المحفزة على العمل كما حسبه الكثيرون السذج من القراء العرب، وإنما يقرر صراحة أن كل شيء حصل لك فهو بسببك، بسبب جذبك له، ومن ثم تستطيع الحصول على ما تريد وتجنب ما لا تريد من خلالك أنت، فأنت أقوى مغناطيس في الكون، وتستطيع أن تتحكم في مادياته!
كلام متهافت كهذا، كيف رُوِّج للعامة؟
بالطبع من خلال الإعلانات، ومن خلال “الأكثر مبيعًا في العالم”، ولأنه يتحدث بلغة سهلة مبسطة عن تسهيل الحياة وتحقيق الأماني وهو الكلام المحبب إلى كثير من الناس، وأيضًا تم الترويج له على أنه من تلك الكتب التي تعزز الثقة بالنفس، وتكسر الحواجز النفسية المانعة من تحقيق الأهداف واستثمار المواهب.
وحتى لا نقع في ما وقع فيه الكثير من القراء الشباب، تعال نلقي نظرة حول هذا النقد لذلك السر الذي لم يكن سرًّا!
مؤلف كتاب خرافة السر
عبدالله العجيري: باحثٌ ومُفكِّر ومهندِس سعودي، حاصل على بكالوريوس أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وبكالوريوس هندسة الحاسب الآلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كما حصل على درجة الماجستير عن رسالة بعنوان: برهان الإتقان على وجود الله ودفع شبهات المخالفين عنه، في جامعة الملك فيصل، يعمل حاليًّا مديراً لمركز تكوين للدراسات والأبحاث، مهتم بمنهج الفقه الإسلامي وبالمذاهب العقدية والفكرية، له العديد من المؤلفات والأبحاث والمقالات المنشورة، وله عدد من الكتب المطبوعة، مُحِب للقراءة منذ الصغر، وكانت بدايته مع الثقافة الجادة مع كتاب «صور من حياة الصحابة» للشيخ عبد الرحمن رأفت الباشا.
من مؤلفاته:
شموع النهار.
زخرف القول.
ميليشيا الإلحاد.