“ثوب الجزيرة منسول من الوسط”.. الاستعانة بالمرابطين
“ثوب الجزيرة منسول من الوسط”.. الاستعانة بالمرابطين
كان ألفونسو، وهو أقوى ملوك إسبانيا في زمانه، لا يمل من تهديد ملوك الأندلس وترهيبهم، وهم لا يملكون في وجهه سوى الإذعان وتهدئته بالأموال والعطايا، لا يدركون أنهم يشاركون في تعجيل فنائهم، ولكنها حكمة الضعيف التي تعميه عن رؤية العواقب، ولما رأى ألفونسو قلة حيلتهم، ازداد نهمه واتجهت أبصاره إلى حواضر المسلمين الكبيرة، فحاصر طليطلة في وسط بلاد الأندلس، وكانت المؤونة تأتيه من حلفائه من أمراء المسلمين، الذين صموا آذانهم عن صراخ إخوانهم وراء الأسوار، وسقطت طليطلة، وكان دويها أكبر من أن تحويه حدود شبه الجزيرة.
طغى ألفونسو وتجبر، وجال يعيث في بلاد المسلمين لا يمنعه شيء، وكان المعتمد، أقوى ملوك المسلمين بالأندلس حينها، لا يكافئه عددًا ولا عدة، وقد ضاق بهذا الذل الذي ورثه من أبيه المعتضد، وكانت قوة أخرى قد تعاظمت وبسطت سلطتها في المغرب منذ أيام المعتضد، هم المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين؛ ذاع صيتهم، وسكنت هيبتهم قلوب النصارى في إسبانيا، وقد تيقن المعتمد أنه لا شك تابع لإحدى هاتين القوتين العظميين، ولم يبق له من بطش ألفونسو سوى قوة يوسف والمرابطين، وعارضه باقي ملوك الطوائف، خوفًا على ملكهم الضائع لا محالة، ولكن المعتمد راسل يوسف، وطلب عونه في إنقاذ ما بقي من تراث أجدادهم.
كان يوسف حذرًا من ملوك الأندلس، يخشى غدرهم بعد أن ينصرهم على ألفونسو، لكن شيوخ المغرب أبلغوه أن نجدة المسلمين واجبة عليه بأي حال، فعبر يوسف إلى الجزيرة الخضراء وانتظر جموع ملوك الطوائف بقيادة المعتمد، لتنضم إلى عماد جيشه، وكذلك حشد ألفونسو شعبه، وكانت وقعة الزلاقة، التي انتصر فيها حلف المرابطين وملوك الطوائف نصرًا عظيمًا، وفر ألفونسو مثخنًا بالجراح، لم يتبق معه من حشوده إلا القليل؛ أجل المرابطون موعد السقوط إلى حين. عاد يوسف بن تاشفين إلى المغرب، وفي نفسه الكثير من ملوك الطوائف، وقد رأى من مظاهر ترفهم ولهوهم ما لا ينذر إلا بالضياع.
الفكرة من كتاب المعتمد بن عباد
اشتهر المعتمد بن عباد بين ملوك الطوائف بمغامراته في الأندلس، وطرائفه مع زوجته الرميكية، وكان واحدًا من ملوك العرب المعدودين الذين برعوا في الشعر، فكانت أتفه الحوادث والمناظر تثير نفسه، وتسعفه قريحته في كل مرة، حتى ليمكننا تتبع سيرته من خلال قصائده، فقد كانت مستودعًا لجميع آماله وأحزانه. عاش المعتمد في عصر حاوط دولته فيه العدو والصديق، وتقاذفته السياسة بينهما، يوالي أحدهما على الآخر، بحسب ما يقتضي الحال، حتى أهلكته هذه الطريقة، فكانت مأساته جديرة بختام أسرة الملوك الشعراء.
مؤلف كتاب المعتمد بن عباد
علي أدهم: أديب وباحث، وُلد بالإسكندرية عام 1897 م، وتوقفت دراسته عند شهادة البكالوريا، عمل في وزارة المعارف، ورأس مكتب وزيرها، طه حسين، كما عمل أيضًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر، تنوعت مؤلفاته بين الدراسات الفلسفية والأدبية والتاريخية، ومن أهمها:
صقر قريش.
بين الفلسفة والأدب.
تلاقي الأكفاء.
الجمعيات السرية.