الوالدية وتوارث الحرمان بين الأجيال
الوالدية وتوارث الحرمان بين الأجيال
باستعراض العلاقة بين خبرات طفولة الوالدين وسلوكهم تجاه الأبناء، تبيَّن أن هناك سلوكات معينة يمكن أن تؤثر في نمط رعاية الوالدين لأطفالهم، من ذلك ما أثبتته عدَّة دراسات أن الوالدين اللذين نشآ في أُسر تعيسة أو مفككة لا يشعران بالسعادة في حياتهما الزوجية، وغالبًا ما تنتهي بالطلاق، كما أثبتت دراسات أخرى أن النساء اللائي لم يعشن طفولتهن مع أحد والديهن أو كليهما، يعانين اضطراب انعدام الأمن في بداية سن الرُشد، كما لوحظ أن أطفال التبني ترتفع لديهم معدلات الطلاق أضعاف أضعاف الأطفال الذين عاشوا في أحضان والديهم.
كما تبيَّن أن الآباء والأمهات الذين عانوا طفولة مضطربة يكتنفها الإهمال والقسوة والعنف، أصبحوا يعاملون أطفالهم بقسوة ويعنفونهم بالضرب المبرح، وفي دراسة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية لوحظ أن ما يزيد على نصف الآباء والأمهات الذين عانوا طفولة مضطربة وتلقوا تربية تعيسة، كانوا يسيئون معاملة أطفالهم واتسمت علاقتهم بهم بالرفض والقسوة، كما لوحظ أن الأمهات اللائي سبق أن عانين انفصال الوالدين أو وفاة أحدهما أو كليهما، كانوا أقل التفاتًا لأطفالهن وغير مبالين لبكائهم، ما يعني أن خبرات الأم في طفولتها تؤثر في أمومتها ورعايتها للطفل.
ورغم كل ذلك، فإن بعض الأطفال لا يستسلمون للحرمان والظروف السيئة، ولا يجعلونها تؤثر في حيواتهم، ويخرجون من تحت ركام أبشع الظروف الأسرية دون أن يصيبهم أي أذًى، ومن ثمَّ تكون شخصياتهم مستقرة سليمة لا تشوبها أي اضطرابات نفسية، وهذا راجع إلى وجود ست دروع رئيسة تخفف من وقع هذه الظروف، وهي: أولًا “عدم تراكم الشدائد والأحداث الضاغطة”: إذ تبيَّن أن انفصال الشدائد وعدم اجتماع ضاغطين معًا في الوقت نفسه يجنِّب الأطفال الاضطربات النفسية، لكن في حال تراكمت الشدائد والأحداث الضاغطة وسيطرت على الجو الأسري حينئذٍ يكون لها تأثير ضار في الأطفال، ثانيًا “تغيير الظروف”: إن عدم استمرار الظروف السيئة يُجنب الأطفال الاضطرابات النفسية وعلى رأسها الاضطربات السيكيارتية المتعلقة بانعدام الأمن، ثالثًا “عوامل خاصة بالطفل”: كالعامل الوراثي والخصائص المزاجية وجنس الطفل، فمثلًا الذكور يكونون أكثر تأثرًا بالظروف السيئة مقارنة بالإناث، رابعًا “عوامل خاصة بالأسرة”: إذ وجد أن علاقة الطفل الجيدة بأحد والديه تعمل واقيًا له من تأثير الظروف السيئة، خامسًا “مهارات المواجهة والتغلُّب”: فقدرة الأطفال على التكيُّف مع الظروف السيئة كان لها أثر كبير في وقايتهم الاضطرابات النفسية، سادسًا “عوامل من خارج الأسرة”: كتأثير المدرسة، فالمدارس الجيدة تدفع في اتجاه النمو النفسي السليم للطفل.
الفكرة من كتاب الحرمان من الأم
يتحدث المؤلف في هذا الكتاب عن خصائص الرعاية اللازمة التي يجب أن تقدمها الأم إلى أطفالها من أجل أن ينموا نموًّا صحيًّا طبيعيًّا، كما يُبين على صعيد آخر آثار حرمان الأطفال من الأم على المدى القصير والبعيد، الظاهر منها والخفي، وما يترتب على ذلك من أضرار تصيب نمو الأطفال على جميع المستويات النفسية والاجتماعية والمعرفية والجسمية، ويوضح أن دور الأم في حياة الطفل في ما يتعلق بصحته النفسية لا يقل أهمية عن دور الفيتامينات والبروتينات والمعادن بالنسبة إلى صحته الجسدية.
مؤلف كتاب الحرمان من الأم
مايكل رتر: هو طبيب نفسي، ومن أبرز أساتذة الطب النفسي للأطفال في العالم، تخرج في كلية الطب بجامعة برمنجهام، ويُعد من الباحثين المتخصصين وذوي الخبرة العالية في مجاله، ويوصف بأنه “أب علم نفس الطفل”، أصبح عضوًا بمركز الدراسات العليا المتخصصة للعلوم السلوكية بجامعة ستانفورد بكاليفورنيا، وعمل استشاريًّا وطبيبًا نفسيًّا في مستشفى مودسلي منذ عام 1966 حتى تقاعده عام 2021، حصل على جائزة جوزيف زوبين عام 2003، وله نحو 400 ورقة بحثية، و40 كاتبًا، من كتبه:
The Qualities Of Mathering.
Developmental Psychiatry.
Genes and Behavior.
Developing Minds.
Antisocial Behavior By Young People.
مقدمة في علم النفس.
الإرشاد النفسي.. منظور إنمائي.
نظريات الشخصية.
علم النفس الاجتماعي.. أنت وأنا والآخرون.
ترجماتها:
أسس التعليم في الطفولة المبكرة.