قدّم المعروف وتولَّ إلى الظل
قدّم المعروف وتولَّ إلى الظل
يمضي موسى -عليه السلام- في طريقه إلى مدين حتى يبلغ ماءها، وإذا بأمة من الخلق تزاحمت عنده في حشدٍ هائل، وعلى جانب قَصِيّ من الحشد تقف امرأتان -بضيق حيلة- تنتظران أن ينفضّ الزحام ليسقِيا، فيلاحظهما نبي الله ويسألهما:﴿مَا خَطْبُكُمَا﴾، فيجيبانه:﴿لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ﴾، فيشفق موسى عليهما ضعفهما ويقرر مساعدتهما؛ لم يواصل السير معرضًا ملتهيًا في همه، بل فعل ما بوسعه دون تردد.
وعلى أثر موسى -عليه السلام- كان عبد الله بن المبارك يخرج من بيته بعد أن يُسدل الليل ستار الظلام، يضع طعامًا عند أبواب الفقراء دون أن يدركه أحد، حتى مات فانقطع الطعام، فأدرك الناس من الفاعل، وفي موضع آخر يُحكى أن ابن المُبارك لاحظ تغيب شاب اعتاد رؤيته، فسأل عنه وعلم أنه مدين بعشرة آلاف درهم، فما كان منه إلا أن خرج باحثًا عن صاحب الدين فقضاه إليه قائلًا: لا تخبر أحدًا حتى أموت، ومات ابن المُبارك ولم يمت طيب عمله، كان الناس لا يعرفون شخصه بل يحفظون أثره ﴿فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ﴾.
الكلمة الطيبة في إسلامنا صدقة، وقد يكون المرء فقيرًا إلى السعادة أحوج ما يكون إلى ابتسامة وكلمة حانية، فلا تمنعها عنه متى استطعت.
يُروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دخل يومًا على رسول الله ﷺ وأبي بكر وكانا يبكيان، فسألهما متلهفًا: يا رسول الله، ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، تخيّل أن يبكي عمر -المعروف بصلابته- مشاطرةً لحزن أحبته! فقط لأنه يريد أن يقاسمهما همهما علّه يخفّ.
الفكرة من كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
قصة دعوة نبيّ الله موسى -عليه السلام- من أقرب قصص الأنبياء إلى قلوب العباد، لأنها تلمس زلات المرء وضعف حيلته لولا إرشاد الله ومعيته له.
ومن خلال رحلتنا مع كتابنا نستخلص قيمًا وقوانين تؤوينا إلى الظل حيث تخطّي الهفوات ومعالجتها، فلكل موقف في حياة موسى -عليه السلام- حكمة يرسلها لنا الله على هيئة قصة، فلا نبرحها حتى نبلغ المقصد ونحفظه عن ظهر قلب.
مؤلف كتاب إلى الظل: قوانين للحياة
علي بن جابر الفيفي: حاصل على درجة الماجستير في تخصص الدعوة، يعمل محاضرًا في قسم اللغة والشريعة في كلية البرامج المشتركة بالمحالة، له أبحاث علمية مميزة في هذا المجال.
من أهم أعماله:
الرجل النبيل، لأنك الله، سوار أمي، حلية الوقار.