الرحلة
الصدفة هي ما نصف به المواقف التي تمر بنا أو الظروف التي تحدث لنا بلا سابق تخطيط منا، ولكننا في الحقيقة إذا ما تأملنا في حياتنا سنجد أن هذه الصدف كانت جميعًا تدفعنا باتجاه مسار معلوم، لأنها في الحقيقة كانت هى المكتوب. وسواء سميته صدفة أو مكتوبًا، فقد كان اجتماع صاحبنا برجل بوسني على متن قطار متجه إلى وارسو عاصمة بولندا، ليسأله هل يعلم قومه العرب بوجود مسلمين في هذه البقعة من أوربا، وعن الحرب التي يوشكون على خوضها؟ هو ما أخذ طه إلى أول خط قتال أعلى جبل إيغمان، ومنه كانت بداية الرحلة.
ومعالم رحلة العمل الصحفي بدأت من مقهى في فرانكفورت، حيث كان أسعد طه يجلس ثلاثة أيام من كل أسبوع أمام أكوام من الجرائد، يحاول تعلم كيفية صياغة الخبر رغم أنه بالكاد يملك ما يغطي نفقاته، لكنه قرر أن يستثمر في نفسه على صعيدين، أن يعلم نفسه بنفسه، وأن يزاحم الآخرين ليجد له مكانًا في أي مؤسسة إعلامية.
على الرغم من ذلك، فلما سنحت له الفرصة للعمل اختار أسعد ألا يكون موظفًا في مؤسسة، وإنما أن يعمل حرًّا لكي لا يضطر يومًا لعمل يخالف قناعاته. نعم إنها مغامرة، أو كما قلنا سابقًا إنه الجنون، ولكن صاحبنا رغم أنه يميل لحسم قراراته بالطريقة “البلدي” بلا كثير فلسفة، فهو يؤمن أن للجنون شروطًا.
أما الشرط الأول فهو الهمة التي تدفعك للمغامرة وتعينك على تحمل المشاق، وأما الثاني فهو الرؤية التي توضح لك ما تريد وما الخطوات اللازمة للوصول إليه، وأخيرًا المرونة لتبديل المسار الصحيح بالمسار الخطأ إذا ما استدعى الأمر، فإذا ما سرت في هذا المسار المهني بعدها تنتهز الفرص، فإنك ستسير في أرض الله بين خلقه تشهد حكمته، وفي ذلك فوز عظيم.
الفكرة من كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
تبدأ الحكاية من هنا، في محافظة السويس المصرية، وبالتحديد في بناية صغيرة في شارع إيواز بك، كان يعيش أب مصري ككل الآباء الذين لا تبدو عليهم أمارات الحكايات المبهرة التي يروونها، ولا النكات الوقورة التي يدخلون بها الآخرين في نوبات ضحك صاخبة، هناك جلس الأب وابنته زينات في انتظار ميلاد فرد جديد للعائلة، ولما ولد الرضيع وضعته أمه في حجر أخته وأوصتها به، فقالت: “من اليوم أنتِ أمه الصغرى”.
كان الطفل مريضًا، ولما اشتد عليه المرض يومًا وظن الجميع بما فيهم الصغير أن هذه المرة ليست كسابقاتها، كتب الولد رسالة الوداع على يد والده ظنًّا منه أنها النهاية. المفارقة أن الطفل قد عاش رغم يأس الأطباء وعجز الأم والأب، وقد تعلم من تجربته أن يعيش حياة لا يهاب فيها الموت، ففي النهاية، يعرف الموت مكانه جيدًا ويعرف أين يجده عندما يحين موعده، ولكنه يريد أن يكون مستعدًّا عندما يأتي هذا اليوم.
كبر الصغير، وعوده والده أن يصطحبه إلى المكتبة في رحلة يترقبها بكل الشغف والحماس، وهناك تعلم أن الحكاية سحر؛ كلما أتقنها الراوي سحرت القارئ أو المستمع، وهي كذلك بندقية وفي توثيقها فريضة، لأن النسيان دعوة لكل الظالمين للنجاة بفعلتهم.
أما الصبي فهو أسعد طه وأما الحكاية ففي السطور التالية.
مؤلف كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
أسعد طه: كاتب وصحفي وصانع ومنتج أفلام وثائقية، من مواليد محافظة السويس المصرية عام 1952م. عمل بالصحافة المكتوبة في صحف مثل الحياة والشرق الأوسط والأهرام، بالإضافة إلى بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، ثم عمل بالإذاعة في الشرق العربية من باريس.
لاحقًا عمل طه مراسلًا بالتلفزيون لمناطق الأزمات في قنوات إم بي سي، والجزيرة وشبكة التلفزيون العربي، تركز اختصاصه في مناطق البلقان وآسيا الوسطى، كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية مثل: نقطة ساخنة، ويحكى أن (على قناة الجزيرة)، وبرنامج الرحلة لشبكة التلفزيون العربي.
كذلك أسس أسعد طه شركة لإنتاج البرامج الوثائقية باسم hot spot films، فأنتج من خلالها اثنتين وعشرين سلسلة من الأفلام والبرامج الوثائقية، غطى فيها نحو ثمانين دولة حول العالم وتناول قضايا إنسانية واجتماعية عديدة.
أخيرًا حصل على عدد من الجوائز مثل:
جائزة أفضل برنامج وثائقي من مهرجان القاهرة والتلفزيون عام 1997م.
جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان قازان الدولي لسينما الشعوب المسلمة بروسيا الاتحادية عام 2006م و2007م.
تم تكريمه في مهرجانات مثل MIP Cannes في عام 2010م ، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بالمغرب في 2014م.