هل تستحق الحكاية أن تحكى؟
هل تستحق الحكاية أن تحكى؟
في العام 2002م، كان اللقاء بالرئيس شافيز، الذي تولى سدة الحكم في فنزويلا عام 1999م ومواطنوه يضعون فيه كل آمالهم في المساواة. كانت عينا تشافيز يومها تبرقان وهو يحكي حكاية انقلاب عام 1973م على الرئيس التشيلي سلفادور أليندي، وقد تعددت الروايات عن إعدامه أو انتحاره بعدما قال في كلمته الأخيرة للشعب: “بالتأكيد ستكون هذه فرصتي الأخيرة للحديث معكم، كلماتي هنا لن تحمل المرارة بل خيبة الأمل”.
كان هذا الوقت هو زمن المظاهرات والمظاهرات المضادة، فمن جهة هناك الفقراء الذين استوطنوا الجبال، وعلى الجهة الأخرى الأثرياء المتحالفون مع العسكر وأمريكا، الذين يتهمون تشافيز بالإرهاب. والفارق بين مظاهرات الفريقين واضح وضوح الحفلات الغنائية الراقصة لطبقة الثروات المحتكرة.
صحيح أن حرب الأغنياء ضد تشافيز كانت قاسية، لكن رأيه في أن عنف المستضعفين قد يكون ضروريًّا في بعض الأحيان ضد عنف الظالمين، يدعو للتساؤل؛ هل تستحق كل الحكايات أن تحكى؟ وهل الحكاء حكمٌ عليها؟
يجيب أسعد طه عن هذا السؤال بأن الحكاء ليس حكمًا، بل إنه يسجل التاريخ ويوثقه عبر قصص صانعيه، كما حدثت تمامًا بلا تبديل أو تزييف ثم يضيف إليها انطباعه وشعوره حتى يشعر الآخرون بما شعر به، وعلى الرغم من أن ما يضيفه الحكاء من انطباعات قد يصيب أو يخطئ، فلا يجب أن يلوم نفسه إذا ما تبدلت المواقف أو الظروف، فالحكاء لا يمنح الضمانات بأن حكاياته صالحة إلى الأبد.
عن فنزويلا كانت هناك حلقتان، واحدة لبرنامج نقطة ساخنة، والأخرى لبرنامج يحكى أن، ولكل منهما فريق عمل يتنقلون في طائرة مهترئة ليس بها إلا ما يكفيها من الوقود فقط بلا مجال لأي تأخير في المسار، لذلك لما خرجوا من طائرتهم الصغيرة إلى طائرة ركاب عادية كان اهتزازها مدعاة للضحك، ولكنه أيضًا تذكير بالحكمة التي تقول: “لا بأس بالفزع الأصغر ما دمت مررت بالفزع الأكبر”.
الفكرة من كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
تبدأ الحكاية من هنا، في محافظة السويس المصرية، وبالتحديد في بناية صغيرة في شارع إيواز بك، كان يعيش أب مصري ككل الآباء الذين لا تبدو عليهم أمارات الحكايات المبهرة التي يروونها، ولا النكات الوقورة التي يدخلون بها الآخرين في نوبات ضحك صاخبة، هناك جلس الأب وابنته زينات في انتظار ميلاد فرد جديد للعائلة، ولما ولد الرضيع وضعته أمه في حجر أخته وأوصتها به، فقالت: “من اليوم أنتِ أمه الصغرى”.
كان الطفل مريضًا، ولما اشتد عليه المرض يومًا وظن الجميع بما فيهم الصغير أن هذه المرة ليست كسابقاتها، كتب الولد رسالة الوداع على يد والده ظنًّا منه أنها النهاية. المفارقة أن الطفل قد عاش رغم يأس الأطباء وعجز الأم والأب، وقد تعلم من تجربته أن يعيش حياة لا يهاب فيها الموت، ففي النهاية، يعرف الموت مكانه جيدًا ويعرف أين يجده عندما يحين موعده، ولكنه يريد أن يكون مستعدًّا عندما يأتي هذا اليوم.
كبر الصغير، وعوده والده أن يصطحبه إلى المكتبة في رحلة يترقبها بكل الشغف والحماس، وهناك تعلم أن الحكاية سحر؛ كلما أتقنها الراوي سحرت القارئ أو المستمع، وهي كذلك بندقية وفي توثيقها فريضة، لأن النسيان دعوة لكل الظالمين للنجاة بفعلتهم.
أما الصبي فهو أسعد طه وأما الحكاية ففي السطور التالية.
مؤلف كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
أسعد طه: كاتب وصحفي وصانع ومنتج أفلام وثائقية، من مواليد محافظة السويس المصرية عام 1952م. عمل بالصحافة المكتوبة في صحف مثل الحياة والشرق الأوسط والأهرام، بالإضافة إلى بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، ثم عمل بالإذاعة في الشرق العربية من باريس.
لاحقًا عمل طه مراسلًا بالتلفزيون لمناطق الأزمات في قنوات إم بي سي، والجزيرة وشبكة التلفزيون العربي، تركز اختصاصه في مناطق البلقان وآسيا الوسطى، كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية مثل: نقطة ساخنة، ويحكى أن (على قناة الجزيرة)، وبرنامج الرحلة لشبكة التلفزيون العربي.
كذلك أسس أسعد طه شركة لإنتاج البرامج الوثائقية باسم hot spot films، فأنتج من خلالها اثنتين وعشرين سلسلة من الأفلام والبرامج الوثائقية، غطى فيها نحو ثمانين دولة حول العالم وتناول قضايا إنسانية واجتماعية عديدة.
أخيرًا حصل على عدد من الجوائز مثل:
جائزة أفضل برنامج وثائقي من مهرجان القاهرة والتلفزيون عام 1997م.
جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان قازان الدولي لسينما الشعوب المسلمة بروسيا الاتحادية عام 2006م و2007م.
تم تكريمه في مهرجانات مثل MIP Cannes في عام 2010م ، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بالمغرب في 2014م.