من حراء إلى الوعي
من حراء إلى الوعي
كان شأنها يومها شأن أربع عشرة دولة أخرى تخرج من الاتحاد السوفيتي، ما زالت بلا اعترافات دولية وبلا سفارات، وللوصول إليها عليك ركوب الطائرة بعد الطائرة، والمرور بعاصمة الإمبراطورية السابقة موسكو، لذلك لما حطت الطائرة بأسعد طه في باكو عاصمة أذربيجان كانت حقيبته قد فقدت خلال رحلته الطويلة.
بدت أذربيجان وقتها عام ألف وتسعمئة وواحد وتسعين مضطربة الهوية، فهى من جهة لا تشبه أوربا في التحضر، ومن الجهة الأخرى بعيدة عن العالم الإسلامي، ومشتتة تعتنق المذهب الشيعي، ثم تنطق بلغة تركيا السنية. كانت باكو المطلة على بحر قزوين وعاصمة الذهب الأسود وإحدى أكبر منتجي البترول وقتها، معطرة برائحة اليود ويجلس في وسطها “قصر شروان” في حيها القديم يشهد على حكامها عبر العصور.
أما تاريخ أذربيجان الحديث، فربما يمكننا تلخيصه في المشهد الحزين للعادة الجديدة، حيث يصطحب العريس عروسه ليلة العرس إلى مقبرة الشهداء الذين سقطوا في الغزو الروسي أو الأرمني، يقدمان الشكر والعرفان لمن ماتوا حتى يعيشوا هم.
قبلها بعام واحد في ألف وتسعمئة وتسعين كان طه على الجهة المقابلة في آسيا الوسطى، حيث تقع سمرقند، التي قال عنها ابن بطوطة: “من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالًا” ويقولون عنها اليوم إن من يأكل خبزها يعود إليها، وقد كان.
كانت الزيارة الثانية مع مجموعة من الزملاء العرب والأجانب، وبدأت رحلتهم من طشقند العاصمة الشيوعية إلى سمرقند، وهي مدينة صغيرة سكانها يقاربون أربعمئة ألف نسمة، ولكنها تحمل تاريخًا مزدحمًا بالشخصيات الشهيرة مثل جنكيز خان والإسكندر الأكبر وهي كذلك محل ميلاد رئيس البلاد وقتها “إسلام كريموف”.
من هناك، يشاركنا أسعد طه درسًا تعلمه من هذه المناطق، حيث الشعوب المسلمة التي لا نعلم عنها شيئًا، فيقول إن لله (عز وجل) أسلحة متعددة يحفظ بها دينه، قد تكون اللغةَ أحيانًا، أو العادات، وكثيرًا ما يكون دور الناس النقلَ دون إدراك أو تطبيق، لكن الفرصة دائمًا ما تأتي للاحقين ليتفكروا ويعيدوا قراءة هذه الثروات واكتشافها، لتنطلق أجيال من حراء إلى الوعي، ومن الوعي إلى الالتزام.
الفكرة من كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
تبدأ الحكاية من هنا، في محافظة السويس المصرية، وبالتحديد في بناية صغيرة في شارع إيواز بك، كان يعيش أب مصري ككل الآباء الذين لا تبدو عليهم أمارات الحكايات المبهرة التي يروونها، ولا النكات الوقورة التي يدخلون بها الآخرين في نوبات ضحك صاخبة، هناك جلس الأب وابنته زينات في انتظار ميلاد فرد جديد للعائلة، ولما ولد الرضيع وضعته أمه في حجر أخته وأوصتها به، فقالت: “من اليوم أنتِ أمه الصغرى”.
كان الطفل مريضًا، ولما اشتد عليه المرض يومًا وظن الجميع بما فيهم الصغير أن هذه المرة ليست كسابقاتها، كتب الولد رسالة الوداع على يد والده ظنًّا منه أنها النهاية. المفارقة أن الطفل قد عاش رغم يأس الأطباء وعجز الأم والأب، وقد تعلم من تجربته أن يعيش حياة لا يهاب فيها الموت، ففي النهاية، يعرف الموت مكانه جيدًا ويعرف أين يجده عندما يحين موعده، ولكنه يريد أن يكون مستعدًّا عندما يأتي هذا اليوم.
كبر الصغير، وعوده والده أن يصطحبه إلى المكتبة في رحلة يترقبها بكل الشغف والحماس، وهناك تعلم أن الحكاية سحر؛ كلما أتقنها الراوي سحرت القارئ أو المستمع، وهي كذلك بندقية وفي توثيقها فريضة، لأن النسيان دعوة لكل الظالمين للنجاة بفعلتهم.
أما الصبي فهو أسعد طه وأما الحكاية ففي السطور التالية.
مؤلف كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
أسعد طه: كاتب وصحفي وصانع ومنتج أفلام وثائقية، من مواليد محافظة السويس المصرية عام 1952م. عمل بالصحافة المكتوبة في صحف مثل الحياة والشرق الأوسط والأهرام، بالإضافة إلى بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، ثم عمل بالإذاعة في الشرق العربية من باريس.
لاحقًا عمل طه مراسلًا بالتلفزيون لمناطق الأزمات في قنوات إم بي سي، والجزيرة وشبكة التلفزيون العربي، تركز اختصاصه في مناطق البلقان وآسيا الوسطى، كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية مثل: نقطة ساخنة، ويحكى أن (على قناة الجزيرة)، وبرنامج الرحلة لشبكة التلفزيون العربي.
كذلك أسس أسعد طه شركة لإنتاج البرامج الوثائقية باسم hot spot films، فأنتج من خلالها اثنتين وعشرين سلسلة من الأفلام والبرامج الوثائقية، غطى فيها نحو ثمانين دولة حول العالم وتناول قضايا إنسانية واجتماعية عديدة.
أخيرًا حصل على عدد من الجوائز مثل:
جائزة أفضل برنامج وثائقي من مهرجان القاهرة والتلفزيون عام 1997م.
جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان قازان الدولي لسينما الشعوب المسلمة بروسيا الاتحادية عام 2006م و2007م.
تم تكريمه في مهرجانات مثل MIP Cannes في عام 2010م ، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بالمغرب في 2014م.