صديق عزيز
صديق عزيز
عندما تسافر كثيرًا، تصبح كل بلاد الأرض بوسعها بيتًا لك، و يصبح ساكنوها على اختلافهم أهلك، يوقعك بعضها في شباك الحب فتهيم بها حتى وإن بدت عادية للآخرين، لذلك عندما بدا أن المليشيا الصربية على وشك اقتحام سراييفو، تيمم صاحبنا أسعد طه وصلى لله مواسيًا المدينة كصديق عزيز عاهد صاحبه على الإخلاص.
وحكاية طه مع البوسنة قديمة، منذ اندلعت الحرب وكان هناك في ساعاتها الأولى، وهو الصحفي الحر الذي يعمل مستقلًا مع جرائد وفضائيات متعددة، إذ عمل بالتليفزيون للمرة الأولى في مدينة موستار لتغطية الحرب بين المسلمين والكروات بإمكانيات بدائية ودون فريق عمل.
من هناك يحكي لنا أسعد قصة “نرمينا”، الفتاة العادية التي وضعتها الأقدار في موقف لا تحسد عليه، فتعاملت مع ابتلائها بشجاعة وإخلاص شديدين.
ترعرعت نرمينا على الإسلام، فكانت ربما الفتاة المحجبة والطالبة الأولى والوحيدة في كلية الدراسات الإسلامية، في المدينة وقتها، ولكن حياة نرمينا العادية لم تستمر طويلًا، إذ تم استدعاؤها للأمن لتقديم شهادة ضد مجموعة من الشباب الذين تعرفهم جيدًا والمتهمين بالعمل على هدم الدولة، وتحت الضغط رضخت الفتاة لطلبات الأمن حتى جاء يوم المحاكمة.
كان علي عزت بيغوفيتش في قفص الاتهام مع أصحابه حسن تشينغيتش وجمال الدين لاتيتش ومصطفى سباهيتش، في مقدمة المقدمين لهذه المحاكمة التاريخية باعتبارهم متطرفين يسعون لأسلمة الدولة، وفي المقابل كانت نرمينا أمام خيارين كلاهما صعب، إما العقاب الإلهي الذي ينتظرها إن كذبت في المحكمة كما طلب منها، وإما الحبس خمس سنوات إن اختارت شهادة الزور، وهو في هذه الحالة ما لا ترغب به سلطات الأمن.
في مشهد صامت مهيب، وقفت يومها نرمينا الشجاعة أمام القاضي لتؤكد له أن كل ما ذكر في المكتوب أمامه محض كذب. كان هذا اليوم على صعوبته راحة لنرمينا، التي وجدت عبء الحبس في النهاية أهون عليها من أن تعيش ما بقي من حياتها تحمل ذنب الكذب في حق زملائها وأساتذتها.
الفكرة من كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
تبدأ الحكاية من هنا، في محافظة السويس المصرية، وبالتحديد في بناية صغيرة في شارع إيواز بك، كان يعيش أب مصري ككل الآباء الذين لا تبدو عليهم أمارات الحكايات المبهرة التي يروونها، ولا النكات الوقورة التي يدخلون بها الآخرين في نوبات ضحك صاخبة، هناك جلس الأب وابنته زينات في انتظار ميلاد فرد جديد للعائلة، ولما ولد الرضيع وضعته أمه في حجر أخته وأوصتها به، فقالت: “من اليوم أنتِ أمه الصغرى”.
كان الطفل مريضًا، ولما اشتد عليه المرض يومًا وظن الجميع بما فيهم الصغير أن هذه المرة ليست كسابقاتها، كتب الولد رسالة الوداع على يد والده ظنًّا منه أنها النهاية. المفارقة أن الطفل قد عاش رغم يأس الأطباء وعجز الأم والأب، وقد تعلم من تجربته أن يعيش حياة لا يهاب فيها الموت، ففي النهاية، يعرف الموت مكانه جيدًا ويعرف أين يجده عندما يحين موعده، ولكنه يريد أن يكون مستعدًّا عندما يأتي هذا اليوم.
كبر الصغير، وعوده والده أن يصطحبه إلى المكتبة في رحلة يترقبها بكل الشغف والحماس، وهناك تعلم أن الحكاية سحر؛ كلما أتقنها الراوي سحرت القارئ أو المستمع، وهي كذلك بندقية وفي توثيقها فريضة، لأن النسيان دعوة لكل الظالمين للنجاة بفعلتهم.
أما الصبي فهو أسعد طه وأما الحكاية ففي السطور التالية.
مؤلف كتاب يُحكى أن عن الذات والحرب والثورة
أسعد طه: كاتب وصحفي وصانع ومنتج أفلام وثائقية، من مواليد محافظة السويس المصرية عام 1952م. عمل بالصحافة المكتوبة في صحف مثل الحياة والشرق الأوسط والأهرام، بالإضافة إلى بعض المجلات الأسبوعية والشهرية، ثم عمل بالإذاعة في الشرق العربية من باريس.
لاحقًا عمل طه مراسلًا بالتلفزيون لمناطق الأزمات في قنوات إم بي سي، والجزيرة وشبكة التلفزيون العربي، تركز اختصاصه في مناطق البلقان وآسيا الوسطى، كما قدّم عددًا من البرامج التلفزيونية مثل: نقطة ساخنة، ويحكى أن (على قناة الجزيرة)، وبرنامج الرحلة لشبكة التلفزيون العربي.
كذلك أسس أسعد طه شركة لإنتاج البرامج الوثائقية باسم hot spot films، فأنتج من خلالها اثنتين وعشرين سلسلة من الأفلام والبرامج الوثائقية، غطى فيها نحو ثمانين دولة حول العالم وتناول قضايا إنسانية واجتماعية عديدة.
أخيرًا حصل على عدد من الجوائز مثل:
جائزة أفضل برنامج وثائقي من مهرجان القاهرة والتلفزيون عام 1997م.
جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان قازان الدولي لسينما الشعوب المسلمة بروسيا الاتحادية عام 2006م و2007م.
تم تكريمه في مهرجانات مثل MIP Cannes في عام 2010م ، ومهرجان أوربا الشرق للفيلم الوثائقي بالمغرب في 2014م.