ماهية الحياة
ماهية الحياة
إن المتدبر في الحياة يجد أنها محكومة بثلاثة أمور إن تمكن من الموازنة بينها والتعامل معها عاش بسعادة، وقد حصرت في: ما نعرفه عن أنفسنا، ما نمتلكه سواءً من أمور مادية أو معنوية، كالمكانة أو الشرف أو المجد، وأخيرًا رؤية الآخرين لنا وحكمهم علينا.
ويتمثل الجزء الأكبر من السعادة في مدى معرفتنا بأنفسنا، فإن جهل المرء بنفسه يجعله في تيه دائم يخضع لتحكم الآخرين وسلطة من يملكه، ولن يجد الخلاص من ذلك إلا بعد أن يعطي لنفسه حقها، فالعالم محكوم بأحوال النفس الداخلية مهما ظهر خلاف هذا.
وإذا أخبرك أحدهم أن الثروة هي التي تتحكم في سعادتنا، فقد وصف الفلاسفة أن اللهاث وراء الثراء الفاحش لا يضع المرء إلا في قلقٍ دائم، فالأثرياء يسعون إلى الحفاظ على ما يمتلكونه، بخلاف هؤلاء الذين يولدون في فقر ثم يحققون الثروة، فهي لا تتجاوز، بالنسبة إليهم، وسيلة لتحقيق السعادة، فلا خوف عندهم من فقدها مقارنة بمن وُلِدَ ثريًّا ولم يذق الفقر.
كما على المرء أن يعلم أن الفقر أحد منغصات العيش، والسعي إلى الخلاص منه أمرٌ حتمي لكل من ينشُد العيش الكريم، ولهذا نرى السعي الحثيث إلى جمع المال في مرحلة الشباب ليكون لنا زادًا في مرحلة الشيخوخة، لأن الشيخوخة الجيدة تحتاج إلى اليُسر والأمان، ولن يجد هذا المآل الحسن إلا من يغتنم شبابه لتوفير المال اللازم لجعل مرحلة الشيخوخة مُيسرة عليه.
وعلى عكس المتوقع فإن رأي الآخرين فينا له الأثر الأضعف في تحقيق السعادة ورضا المرء عن نفسه، كما ينعدم هذا التأثير في سعادتنا كلما زادت معرفتنا بأنفسنا واخترنا الاستغناء بها عن الناس والعالم الخارجي.
فكل العوامل السابقة لها تأثير غير مباشر في سعادتنا، فالعامل الأكبر كيف نتعامل ونتفاعل مع ما يصيبنا ويقع لنا من أحداث، وقد جاءت نصيحة أفلاطون في هذا الأمر بضرورة أن يمتلك الإنسان منا “مزاجًا سهلًا” يجعله ينظر إلى الحياة بطريقة أكثر تفاؤلًا وتماشيًا مع الأحداث، على عكس أصحاب “الأمزجة الصعبة” الذين يرون المسرات والمتع كالأمور المؤلمة والمحزنة لا فرق بينهما.
الفكرة من كتاب فن العيش الحكيم: تأملات في الحياة والناس
إن الحياة محكومة بقواعد أساسية كلما فطن الإنسان إليها استطاع العيش بسلام، ومن هنا سطر الفيلسوف شوبنهاور تلك القواعد في كتابه وأظهر مدى علاقتها بسعادة الإنسان وإلى أي مدًى يمكن أن تؤثر فيه، وسبل التعامل الأفضل مع الآخرين، وما يُعكر صفو حياته ويسبب الحزن له، وكيف أن السعادة والمكاسب المتحصلة خلال الحياة تختلف باختلاف المرحلة العمرية، وأي المراحل -الشباب أم الشيخوخة- تكون أفضل له.
فإن كنت ترى أن أحد هذه التساؤلات يهمك وتريد معرفته، فدعنا نأخذك للإجابة عنها بين طيات الكتاب.
مؤلف كتاب فن العيش الحكيم: تأملات في الحياة والناس
آرثر شوبنهاور : فيلسوف وناقد ألماني عُرف بفلسفته التشاؤمية عن الحياة إذ إنه يراها شرًّا مطلقًا، ويُعَدُّ أشهر مؤلفاته كتاب “العالم فكر وإرادة”، الذي سطر فيه فلسفته التي تربط بين العلاقة بالإرادة والعقل، فيرى العقل أداة بيد الإرادة وتابعًا لها.
ألَّف عددًا من الكُتب والأبحاث تجاوزت 36 كتابًا، منها:
فن أن تكون على صواب.
الأمثال عن الحكمة في الحياة.
العالم المتصور.
معلومات عن المُترجم:
عبد الله زارو: مترجم وكاتب مغربي الجنسية، مهتم بالشؤون المجتمعية الريفية، وقد ترجم عددًا من الكُتب، ومنها:
في الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصر.
مزايا العقل الحساس: دفاع عن سوسيولوجيا تفاعلية.
جغرافيا جبل نفوسة: دراسة ميدانية في الجغرافيا الطبيعية والمدنية.