حين وَهَى الإسلام
حين وَهَى الإسلام
خرج الخليفة كعادته يوقظ الناس لصلاة الفجر، فترصد له أبو لؤلؤة -وكان مجوسيًّا- وطعنه ثلاث طعنات إحداها تحت السرة وهي التي قتلته، وعمر يحسبه كلبًا حتى طعنه الثالثة، وخرج الكافر من المسجد يلوح بخنجره فأصاب ثلاثة عشر رجلًا من المسلمين مات منهم سبعة ثم انتحر قبحه الله.
أما عمر فسقط وهو يقول: “وكان أمر الله قَدَرًا مَقْدُورًا”، وقدّم عبد الرحمن بن عوف ليصلي بالناس ثم أغشي عليه.
أفاق عمر وكان أول ما قاله: “أصَلَّى النَّاسُ؟” واطمأن أن أُجيب بنعم، ثم دعا بوَضوء فتوضأ وصلى وجرحه ينزف، ثم أتي بطبيب فعلم الناس وعلم عمر أنه ميت فبكوا وارتفع نحيبهم كأنهم لم تصبهم مصيبة من قبل وعمر يقول: “مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَخْرُجْ، إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ”.
دخل إليه ابن عباس وذكره بصحبته رسول الله ﷺ وصحبة أبي بكر وعدله في رعيته وما فتح الله للمسلمين على يديه، فقال: “وَدِدْتُ لَوْ أَخْرُجُ مِنْهَا -يَقْصِدُ الخِلَافَةَ- كَفَافًا لَا لِي وَلَا عَلَيَّ، وَلَوْ كَانَ لِي مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ المَطْلَعِ”، ثم وضع خده الشريف على الأرض وبكى حتى التصق التراب بعينه، وقال: “وَيلْيِ وَوَيِلُ أُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللهُ لِي!”، فما زال يرددها حتى مات.
مات عمر، الرجل الذي نَعَتْهُ الجن وبكاه القوم حتى اخضلت لحاهم، مات من كان إسلامه عزًّا وخلافته فتحًا في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وعمره بضع وستون سنة، ودُفن بجوار صاحبيه في منزل أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، وصلى عليه صهيب بين القبر والمنبر.
لم يستخلف عمر لأنه كره أن يحمل الأمانة حيًّا وميتًا، لكنه حصرها في بضعة رجال، مات رسول الله ﷺ وهو عنهم راضٍ وهم عليّ وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، ولم يكلم منهم إلا عثمان وعليًّا، فأوصاهم بتقوى الله وأوصاهم بالمهاجرين والأنصار والأعراب وأهل الأمصار وأهل الذمة، فاجتمعوا على عثمان، الذي أوكل إليه الصديق كتابة وصيته قبل زمن بعيد فكتب اسم عمر قبل أن ينطقه أبو بكر!
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.