رجل من أهل الجنة
رجل من أهل الجنة
كان عمر -رضي الله عنه- جريئًا، أعلن إسلامه فاجتمع عليه القوم يضربونه ويضربهم حتى أجاره “العاص بن وائل السهمي” والد الصحابي “عمرو بن العاص”، وهاجر جهرًا وقال: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَانِي فَلْيَلْقَنِي فِي بَطْنِ هَذَا الوَادِي”.
كان غيورًا على الدين منذ لحظاته الأولى حتى قال عنه رسول الله ﷺ: “أَشَدُّ أُمَّتِي فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ”، فهابته شياطين الإنس والجن كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ، فكانت تسلك غير الطريق الذي يسلكه، ويُروى أنه لقي شيطانًا في أزقة المدينة، فدعاه الجني إلى صراع فصرعه عمر، وجلس على صدره وقال: “أَرَاكَ شَخيتًا ضَئِيلًا كَأَنَّ ذِرَاعَيْكَ ذِرَاعَا كَلْبٍ، فَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوِ الجِنُّ كَذَلِكَ؟”، وكان الصحابة يرونه الرجل الذي يُكَذِّب الدجال، فعن أبي سعيد الخدري قال: “كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحَدِّثُنَا عَنِ الدَّجَالِ أَنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسِ يَقْتُلُهَا ثُمَّ يُحْيِيهَا فَيَقُولُ: أَلَسْتُ بِرَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَكْذَبَ مِنْكَ السَّاعَةَ، قَالَ: فَمَا كُنَّا نَرَاهُ إِلَّا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ حَتَّى مَاتَ أَوْ قُتِلَ”.
شهد مع رسول الله ﷺ بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلها، فزادت مكانته منه حتى قال له في بعض كلامه “يا أخي”، يقول عمر رضي الله عنه: “مَا أُحِبُّ أنَّ لِي بِهَا مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ”، وأخبر النبي ﷺ: “بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا القَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ”، وشهد له رسول الله ﷺ بغزارة دينه فقال: “بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ”، قالوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: “الدِّينُ”. وهو خير هذه الأمة بعد رسول الله ﷺ وأبي بكر.
الفكرة من كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه- من كبار الصحابة، أسلم في بداية الدعوة، وهاجر مع رسول الله ﷺ وصحبه كظله، وبشره رسول الله ﷺ بالجنة في غير موضع، ومع ذلك لم يمنعه تاريخه الحافل من أن يأمن مكر الله، فصام الدهر وقام الليل وحمل همّ الأمة، وبكى من خشية الله حتى نحرت دموعه خديه.
مَنّ الله عليه بالخلافة، وفتح له من مشارق الأرض ومغاربها ما لم يُفتَح لنبيه ولا صدِّيقه، فعلم معنى أن يستخلفه الله في أرضه، فحكم بما أنزل الله وعدل، واجتهد وأصاب، وحمّل نفسه ما لا تطيق خشية السؤال، فكان يدخل يده في دبر البعير ويقول: “إني أخاف أن أُسأَلَ عمّا بك!”، وكان يأكل مما يأكل منه فقراء المسلمين وربما أقل، وكثير وكثير مما لا يتسع المقام لذكره، فالرجل أكبر من أن تحتويه دَفَّتا كتاب، وإنما هي تذكرة، فكما فرق الله به بين الحق والباطل في صدر الإسلام، لربما نتبع أثره فنفرق بين الحق والباطل في زمن مالت فيه شمس الإسلام إلى الغروب.
قد صنعه الله من طينة نقية وُجِدَت بكثرة في تلاميذ رسول الله ﷺ، ولا يعجزه أن يصنعنا، إلا أننا انفلتنا من طينتنا وادّعينا الاستغناء!
مؤلف كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أبو الفرج الجوزي : وُلِدَ سنة خمسمئة وعشرة من الهجرة النبوية، ترعرع في مسجد محمد بن ناصر الحافظ في بغداد، وتفقه وسمع الحديث وحفظ الوعظ، ووعظ وهو ابن عشرين سنة أو دونها، وأقل ما اجتمع في مجلس وعظه عشرة آلاف، وربما اجتمع فيه مئة ألف منهم الخلفاء والوزراء والعلماء، وتُوُفِّيَ -رحمه الله- سنة خمسمئة وسبع وتسعين من الهجرة النبوية.
وله عديد من المصنفات منها:
زاد المسير.
الأحاديث الموضوعة.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية.
المنتظم في تواريخ الأمم من العرب والعجم في عشرين مجلد.