مفهوم ظاهرة البطالة وأبعادها
مفهوم ظاهرة البطالة وأبعادها
يهدف كل مجتمع إلى إشباع رغبات أفراده، ويحرص على نموهم المستمر على كل الأصعدة، وتعد عملية التنمية ضرورية لتقدم أي دولة، وترتكز أساسًا على العامل البشري، فهو ثروة حقيقية إذا تم استغلاله بطريقة صحيحة، ومن ضمن احتياجات الإنسان اللازم إشباعها احتياجه إلى العمل، لما له من آثار نفسية إيجابية، كارتفاع مستوى رضاه وتقديره لذاته، وشعوره بأنه مفيد وله امتيازات اجتماعية، وفي غياب تلك الآثار تحل محلها عواطف سلبية خطرة.
ولهذا كانت ظاهرة البطالة من أكبر مهددات أي مجتمع في العالم، فهي تضرب في احتياج أصيل لدى أفراده، وتعني بشكل عام عدم توافر العمل لشخص مناسب وقادر عليه رغم رغبته في تأديته، نتيجة ندرة الفرص المتاحة بالنسبة إلى الأفراد، وبدأ ظهور الظاهرة عالميًّا مع الثورة الصناعية، حيث دخلت الماكينات في عمليات التصنيع، وأصبحت بديلًا للعمال الذين خسروا وظائفهم، وارتفعت معدلات البطالة من جديد نهاية فترة السبعينيات والثمانينيات نتيجة السياسات المالية الاقتصادية الجديدة.
البطالة مشكلة مركبة، لها أبعاد عدة، منها: البعد السياسي فهي تسبب الإحباط العام وتوتر الأوضاع المحلية وتشحن الأفراد المحبطين ضد نظام الحكم، والبعد الاجتماعي الذي يتمثل في هجرة أفراد الريف إلى المدن مما سبب مشكلة ديموغرافية نتجت عنها المناطق العشوائية، وارتفاع معدلات الفقر والجريمة، والبعد الجغرافي وحدث أيضًا نتيجة لتلك الهجرة، وهو ارتباك نسبة توزيع الذكور إلى الإناث.
وأخيرًا البعدان الاقتصادي والأمني، فالبطالة تعني خسارة فئة قادرة على العمل وزيادة الإنتاج والأرباح، نتيجة قصور في إدارة رؤوس الأموال وعجز الاستثمار، مما يؤثر في الأمن برفع معدلات جرائم السرقة والخطف والعنف نتيجة الحرمان والفقر اللذين يعاني منهما الأفراد.
الفكرة من كتاب أسباب وأبعاد ظاهرة البطالة: وانعكاساتها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ودور الدولة في مواجهتها
تعاني المجتمعات اليوم من مشكلات اجتماعية عديدة تعرقل من عملية نموها، وتنتشر في مستويات مختلفة كالسرطان لتنال من جميع أفرادها، ومن أكثر المشكلات خطورة ظاهرة البطالة، لما لها من انعكاسات مدمرة، حتى إنها تغذي أمراضًا أخرى مثل غياب الوعي السياسي السليم، وانتشار الإساءات والعنف ضد الأطفال.
سنقوم بتشريح تلك الأمراض، لنعلم ما أسباب البطالة والعوامل المؤثرة فيها، وما دور مؤسسات الدولة في التعامل معها، بالإضافة إلى معرفة كيف أن التنشئة السياسية السليمة لأفراد المجتمع تشبع قيم الحرية والانتماء، وأخيرًا نقف أمام العنف لنعرف صوره وأسبابه، ونتناول الإساءات الموجهة ضد الأطفال وآثارها فيهم، وما هو دورنا تجاههم.
مؤلف كتاب أسباب وأبعاد ظاهرة البطالة: وانعكاساتها السلبية على الفرد والأسرة والمجتمع ودور الدولة في مواجهتها
طارق عبدالرؤوف عامر، دكتور وكاتب مصري له مؤلفات عدة في مجالات التربية وعلم الاجتماع، من أهمها: “احتياجات المجتمع وتحديات المستقبل”، “دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في ضوء التوجهات العالمية المعاصرة”.