غزوات ومشاهد
غزوات ومشاهد
ثم جاءت غزوة الأحزاب، واشتد الجوع بالمسلمين وهم يحفرون الخندق، وتألم جابر لحالهم وحال النبي ﷺ فاستأذن إلى بيته القريب، ليسأل زوجته عن طعام، فقالت عندي شعير وعَناق فذبحها وطحنوا الشعير في تفاهم واجتهاد، ثم وضعوا اللحم في البُرمة -أي القدر- والخبز في التنور، وذهب جابر إلى النبي قائلًا: “طُعَيِّمٌ لِي، فَقُمْ أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ ورَجُلٌ أوْ رَجُلَانِ، قَالَ: “كَمْ هو؟” فَذَكَرْ له جابر، قَالَ: “كَثِيرٌ طَيِّبٌ”، “قُلْ لَهَا: لا تَنْزِعِ البُرْمَةَ، ولَا الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتَّى آتِيَ”، فَقَالَ: قُومُوا. فقام المهاجرون والأنصار! وذهب جابر إلى زوجته قائلًا: ” ويْحَكِ! جَاءَ النَّبيُّ ﷺ بالمُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ ومَن معهُمْ” قالت: “بك وبك!” أي بك يلحق الذم لا بي لسوء تقديرك، وذلك خوفًا منها عليه، فسألته إن كان النبي سأله كم طعامه، وقالت: “الله ورسوله أعلم.. ونحن قد أخبرناه بما عندنا”، فكشفت عن جابر غمًّا شديدًا، وجاء النبي ﷺ يغرف لأصحابه حتى شبعوا، وبقي طعام، فقال لسُهَيمة: “كُلِي هذا وأَهْدِي، فإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ”.
ثم خرج جابر مع النبي ﷺ إلى العُمرة يوم الحديبية، وكان ممن بايعوا تحت الشجرة في بيعة الرضوان على الثبات وألا يفروا، وحكى في أمانة وعدل أن أول من صعد ثنية المُرار بأمر النبي يومئذ هم قومه بني الخزرج، وأن الجَد بن قيس -وهو من أقاربه- لم يُبايع واختبأ تحت بعيره. وحكى في يقين عن فوران الماء يومها بين أصابع النبي ﷺ قائلًا: “لو كنا مئة ألف لكفانا!”.
ثم شهد فتح خيبر، وذات الرقاع الثانية التي كانت فيها صلاة الخوف، وسرية مؤتة، وسرية الخَبَط، وفتح مكة، وكان ممن ثبت بالقرب من النبي ﷺ يوم حُنَيْن، وخرج في غزوة تبوك آخر الغزوات.
الفكرة من كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
كانت شخصية جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) واقعية حقيقية وربما بدت عادية، كانت فيه سمات جيل الصحابة الفريد من الإيمان، والتوازن في العبادة، والعلم الحي، والعمل الدؤوب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع هذا الكتاب نعرف حكايته ونرى ما حظي به من التربية النبوية.
مؤلف كتاب جابر بن عبد الله – في ظلال التربية النبوية
محمد حشمت: كاتبٌ ومحاضر، حصل على ليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ثم حصل على ماجستير العقيدة الإسلامية من كلية العلوم الإسلامية بجامعة ميديو في ماليزيا.
من مؤلفاته: “الخلاصة في علم مصطلح الحديث” وسلسلة “في ظلال التربية النبوية” التي تضم الكتاب الذي بين أيدينا و”حذيفة بن اليمان” و”كعب بن مالك” و”الرميصاء” و”فاطمة” و”خوَّات” رضي الله عنهم.