العالم المعاصر
العالم المعاصر
تظهر الفروق الفكرية التي ورثتها دول العالم الغربي ودول شرق آسيا من أسلافهم في الحضارات القديمة في عدة جوانب من حياة مجتمعنا المعاصر، ولنبدأ بالحديث عن القانون، فما يهم لدى الغرب هو تطبيق مبدأ العدالة التي تتمثل في قواعد وضعت سلفًا يحكم من خلالها القاضي دون اعتبار لاختلاف أحوال الأشخاص، بينما يقع القانون في شرق آسيا على الجانب الآخر من ذلك، فالقانون وظيفته الوساطة وخفض مستوى العداوة بين الأشخاص وليس تطبيق قواعد جامدة بمعزل عن الاختلافات والمواقف، ومن ثم يتميز عمل القاضي بالمرونة والنظرة الشخصية إلى كل قضية باعتبار أن كل قضية تختلف عن الأخرى.
لننتقل إلى بعض جوانب الحياة العامة، ففي العقود والمعاملات يعتبر الغرب العقود بمنزلة اتفاقات نهائية لا سبيل لتغييرها مهما تغيرت الظروف، في حين ينظر أبناء شرق آسيا إلى العقود على أنها اتفاقات مبدئية قد تخضع للتغير في المستقبل إذا تغيرت الأحوال أو السياقات، أمّا في العلاقات الدولية فتجد الغربيين يتعاملون مع المشكلات على أساس أن هناك دومًا سببًا واحدًا للمشكلة يمكن تحديده، لذلك قلّما يبحثون عن الحلول الوسطية ويميلون إلى الحلول الحدية التي تلقي اللوم على إحدى الدول الأخرى، بينما يرى الآسيويون أنه يصعب تحديد سبب واحد للمشكلة،
فالأحداث عبارة عن مجموعة من العلاقات يتأثر بعضها ببعض، لذلك فهم أكثر مسامحةً مع الدول الأخرى إذا كانت المشكلة يصعب تحديد من المتسبب فيها، أمّا في حقوق الإنسان فيرى أفراد المجتمع الغربي أنها تتمثل في إعطاء الحرية للفرد ليفعل ما يحلو له مهما كانت الآثار السلبية التي يخلفها فعله في المجتمع ككل، بينما على الجانب الآخر يرى أفراد شرق آسيا أنه ليس للفرد أي حقوق ذاتية بمعزل عن المجتمع، لأنه أحد أفراده ولا ينفك عن التأثر به والتأثير فيه في أي من تصرفاته.
الفكرة من كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
هل للتاريخ والعادات الاجتماعية واللغة دور في نمط التفكير الذي ينتهجه الإنسان في الحياة؟ هل القاعدة التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع الأجناس والثقافات صحيحة؟ أم إن القاعدة التي تقول إن قواعد الفكر البشري تختلف باختلاف الثقافات هي الأصح؟
يتعرض الكتاب الذي بين أيدينا بالنقد للمُسلّمة الغربية التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع البشر، عن طريق عرض وجهة نظر أخرى توضح أن ما يعتبر في نظر العالم الغربي قواعد عامة للفكر الإنساني، قد يكون في حقيقته مجرد عادات مجتمعية وليست قوانين فطرية، وأن أبناء الثقافات المختلفة يختلفون في معتقداتهم ورؤيتهم للعالم بناءً على اختلافهم في أنماط التفكير.
كما يتعرض الكتاب لأهم الاختلافات التي تميز نمط تفكير أبناء العالم الغربي المتمثل في أوروبا وأمريكا، والعالم الشرق آسيوي المتمثل في الصين والدول التي تأثرت بالثقافة الصينية مثل اليابان وكوريا.
مؤلف كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
ريتشارد آي نيسبت: عالم نفس، عمل أستاذًا لعلم النفس بجامعة ييل، حصل على درجة الزمالة بمؤسسة جون سيمون جوجنهايم، كما حصل على عديد من الجوائز منها جائزة الإسهام العلمي المتميز لرابطة علم النفس الأمريكية، له عدة مؤلفات منها كتاب “بناء المهارات العقلية: مهارات وأدوات التفكير الذكي “.
معلومات عن المترجم:
شوقي جلال محمد: ولد عام 1931 في القاهرة، عضو المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بلجنة الترجمة، له عدة مؤلفات منها: كتاب العقل الأمريكي يفكر، كما ترجم عديدًا من الكتب، منها: كتاب الثقافات وقيم التقدم.