العلوم والطبيعة
العلوم والطبيعة
كان تعريف الطبيعة لدى الإغريق أنها عبارة عن الكون مخصوم منه البشر وثقافتهم، فقد كان لديهم فهم واضح للذات وسعي وراء الحقائق المجردة، بدأ تراثهم الجدلي في الظهور وانطلقوا من البحث عن الحقائق الذاتية التي تتعلق بنفوسهم إلى الحقائق الموضوعية التي تتعلق بالعالم، وبسبب كثرة الآراء شاع لديهم الاحتكام لمبادئ عقلية للفصل بينها، وأهم هذه المبادئ كان مبدأ عدم التناقض أي استحالة اجتماع الشيء ونقيضه معًا في الوقت نفسه، كاجتماع السكون والحركة أو الوجود والعدم، ولأن الإغريق كان يغلب عليهم اعتقاد ثبات العالم وأنه يمكن التحكم فيه، كان ذلك سببًا لكثير من التقدم العلمي الذي أحرزوه، إذ وضعوا قوانين لهذا العالم ثم طوروها بعد ذلك نتيجة إيراد التساؤلات والنقد والبحث عن البراهين الصحيحة لتتسم في النتائج التي توصلوا إليها بالدقة الشديدة.
على الجانب الآخر لم يمتلك الصينيون فهمًا واضحًا للذات نتيجة ذوبان الفرد داخل المجتمع أو اعتبار نفسه جزءًا من مجتمع أكبر، لذلك كان اهتمامهم الأكبر بالتناغم وإيجاد العلاقات بين الأشياء، فكانوا يرون أن جميع الأشياء تتحرك داخل سياقات، ومن ثم فإن محاولة تصنيفها على هيئة موضوعات منفصلة لا تفيد في فهم هذا العالم المعقد المليء بالمتناقضات، وكانت رؤيتهم هذه حائلًا دون اكتشاف مبادئ عامة للعلوم، افتقر الصينيون كذلك إلى نمط التفكير المنطقي بسبب افتقارهم إلى المنطق، إذ احتكموا إلى مبادئ جدلية أخرى لا تحكم في النزاع ولا توصل إلى الحقائق، وإنما تسعى إلى تجنب الخلاف أو التعالي عليه، لذلك أنجزوا إنجازًا ضئيلًا في العلوم النظرية التي تبنى على التفكير الاستدلالي كعلم الهندسة، لكنهم رغم ذلك تفوقوا في الجبر لأن الجبر كان في السابق علمًا لا يبنى على الاستدلال.
ومن أبرز الأمثلة على النهج الذي اتبعه الإغريق الأوراق البحثية في عالمنا المعاصر، إذ تحتوي الورقة البحثية على تفصيل لمكونات البحث وعديد من المقدمات والنتائج ذات الترابط المنطقي، لذلك يحقق الطلبة الغربيون تفوقًا بارزًا في عمل هذه الأوراق وتحقيقها للمعايير، في حين يحقق الطلبة الآسيويون نجاحًا أقل نتيجةً لعدم اعتيادهم هذا النمط من الترابط المنطقي بين الأشياء وبعضها.
الفكرة من كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
هل للتاريخ والعادات الاجتماعية واللغة دور في نمط التفكير الذي ينتهجه الإنسان في الحياة؟ هل القاعدة التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع الأجناس والثقافات صحيحة؟ أم إن القاعدة التي تقول إن قواعد الفكر البشري تختلف باختلاف الثقافات هي الأصح؟
يتعرض الكتاب الذي بين أيدينا بالنقد للمُسلّمة الغربية التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع البشر، عن طريق عرض وجهة نظر أخرى توضح أن ما يعتبر في نظر العالم الغربي قواعد عامة للفكر الإنساني، قد يكون في حقيقته مجرد عادات مجتمعية وليست قوانين فطرية، وأن أبناء الثقافات المختلفة يختلفون في معتقداتهم ورؤيتهم للعالم بناءً على اختلافهم في أنماط التفكير.
كما يتعرض الكتاب لأهم الاختلافات التي تميز نمط تفكير أبناء العالم الغربي المتمثل في أوروبا وأمريكا، والعالم الشرق آسيوي المتمثل في الصين والدول التي تأثرت بالثقافة الصينية مثل اليابان وكوريا.
مؤلف كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
ريتشارد آي نيسبت: عالم نفس، عمل أستاذًا لعلم النفس بجامعة ييل، حصل على درجة الزمالة بمؤسسة جون سيمون جوجنهايم، كما حصل على عديد من الجوائز منها جائزة الإسهام العلمي المتميز لرابطة علم النفس الأمريكية، له عدة مؤلفات منها كتاب “بناء المهارات العقلية: مهارات وأدوات التفكير الذكي “.
معلومات عن المترجم:
شوقي جلال محمد: ولد عام 1931 في القاهرة، عضو المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بلجنة الترجمة، له عدة مؤلفات منها: كتاب العقل الأمريكي يفكر، كما ترجم عديدًا من الكتب، منها: كتاب الثقافات وقيم التقدم.