التنشئة الاجتماعية للأطفال
التنشئة الاجتماعية للأطفال
توجد علاقة وطيدة بين اللغة والثقافة التي يكتسبها الشخص في فترة الطفولة وفِكره، وتعتبر التنشئة التي يتلقاها الفرد في أثناء فترة طفولته من أهم أسباب اختلاف الفكر بين الثقافات.
ولنبدأ بالحديث عن اللغة وعلاقتها بالفكر، يتولد لدى الطفل في المراحل الأولى لنموه اللغوي الحديث بالأسماء لسهولة التعبير عنها، فهي لا تحتاج إلى سياق أو جملة لتوضع فيها على خلاف الأفعال، وهذا النمط للمراحل الأولى في اللغة يغلب على أطفال كثيرين من دول العالم والعالم الغربي بالتحديد، ولكن المفاجأة هي أن أطفال الآسيويين تنمو مهاراتهم اللغوية في الحديث بالأسماء والأفعال في الوقت نفسه، فكيف يمكن تفسير ذلك؟
يمكن إرجاع ذلك إلى تفسيرين؛ التفسير الأول هو طبيعة اللغة، فاللغات الشرق آسيوية تتميز بأن للكلمات معانيَ عديدة، ومن ثم تحتاج الكلمة إلى سياق توضع فيه لمعرفة ما يقصده المتكلم، على خلاف اللغة الإنجليزية التي تتسم الكلمات فيها بالتمايز والحاجة القليلة إلى السياق. أمّا التفسير الثاني فهو النشأة الاجتماعية للطفل، فالطفل في شرق آسيا يتربى منذ نعومة أظافره على أن العالم عبارة عن مجموعة من العلاقات لا يمكن تقسيمه إلى موضوعات منفصلة عن بعضها، فيميل الآباء والمعلمون في المدارس إلى تصنيف الأشياء بناءً على مدى ترابطها، فالبقرة أقرب شيء إليها هو العشب وليس الدجاجة،
وإذا غلب نمط التفكير بالعلاقات لدى الطفل فإن الجمل لا بد أن تحتوي صراحةً أو ضمنًا على فعل للربط بين كلا الشيئين، وعلى نقيض ذلك يَتبع الآباء والمعلمون في المدارس في العالم الغربي نمط تفريق الأشياء إلى موضوعات، فالبقرة أقرب شيء إليها هو الدجاجة، لأن كليهما حيوان والعشب ينتمي إلى عالم آخر هو عالم النبات، والموضوعات يكفي للإشارة إليها استخدام الأسماء فقط، لأنها تتسم بالركود وعدم حاجتها إلى فعلٍ آخر.
ولعل ما يبرز أثر اللغة والثقافة في نمط تفكير الفرد، أن أبناء شرق آسيا ممن نشؤوا في بلدان العالم الغربي أو يتحدثون اللغة الإنجليزية في أنشطة الحياة اليومية، أقرب إلى نمط التفكير الغربي من نمط تفكير أبناء شرق آسيا ممن يتحدثون اللغة الأم أو يعيشون في أحضان مجتمعاتهم.
الفكرة من كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
هل للتاريخ والعادات الاجتماعية واللغة دور في نمط التفكير الذي ينتهجه الإنسان في الحياة؟ هل القاعدة التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع الأجناس والثقافات صحيحة؟ أم إن القاعدة التي تقول إن قواعد الفكر البشري تختلف باختلاف الثقافات هي الأصح؟
يتعرض الكتاب الذي بين أيدينا بالنقد للمُسلّمة الغربية التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع البشر، عن طريق عرض وجهة نظر أخرى توضح أن ما يعتبر في نظر العالم الغربي قواعد عامة للفكر الإنساني، قد يكون في حقيقته مجرد عادات مجتمعية وليست قوانين فطرية، وأن أبناء الثقافات المختلفة يختلفون في معتقداتهم ورؤيتهم للعالم بناءً على اختلافهم في أنماط التفكير.
كما يتعرض الكتاب لأهم الاختلافات التي تميز نمط تفكير أبناء العالم الغربي المتمثل في أوروبا وأمريكا، والعالم الشرق آسيوي المتمثل في الصين والدول التي تأثرت بالثقافة الصينية مثل اليابان وكوريا.
مؤلف كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
ريتشارد آي نيسبت: عالم نفس، عمل أستاذًا لعلم النفس بجامعة ييل، حصل على درجة الزمالة بمؤسسة جون سيمون جوجنهايم، كما حصل على عديد من الجوائز منها جائزة الإسهام العلمي المتميز لرابطة علم النفس الأمريكية، له عدة مؤلفات منها كتاب “بناء المهارات العقلية: مهارات وأدوات التفكير الذكي “.
معلومات عن المترجم:
شوقي جلال محمد: ولد عام 1931 في القاهرة، عضو المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بلجنة الترجمة، له عدة مؤلفات منها: كتاب العقل الأمريكي يفكر، كما ترجم عديدًا من الكتب، منها: كتاب الثقافات وقيم التقدم.