الأصول الاجتماعية للفكر
الأصول الاجتماعية للفكر
كان المجتمع الصيني القديم مجتمعًا زراعيًّا من الطراز الأول، لذلك كان يغلب على ثقافة أفراده التعاون مع الآخرين والعمل في تناغم، وكذلك كان حال المجتمع الغربي خلال حقبة العصور الوسطى عندما كان مجتمعًا زراعيًّا، فقد كان أفراده أقل نزوعًا للفردية وأكثر اعتمادًا على التعاون مع الآخرين، لكن تبدل الحال عندما نشأت المدينة ليصير الاستقلال والحرية الفردية هما الغاية المنشودة.
ورثت مجتمعات شرق آسيا نمط التفكير من أسلافهم الذي يهدف إلى التركيز على أهداف الجماعة، لذلك تميزت هذه المجتمعات بكونها تملك حسًّا مشتركًا بالهُوية وتميل إلى التحرك ككتلةٍ واحدة، في حين ورثت مجتمعات الغالب الغربي نمط التركيز على الأهداف الذاتية للفرد، واعتبارًا لذلك تميز أفراد هذه المجتمعات باقتصار أداء كل فرد على إنجاز المهام المكلف بها دون وضع الآخرين في الحسبان.
ومن هنا نستطيع التفرقة بين المجتمع المحلي الذي يبنى على حس مشترك بالهُوية داخل أفراده كما هو الحال في مجتمع شرق آسيا، وبين المجتمع المؤسسي الذي يعتمد على إنجاز الأهداف دون اعتبار للعلاقات بين الأفراد كما هو الحال في المجتمع الغربي.
وينتقل هذا الأثر الاجتماعي ليشمل ذوات الأفراد وصفاتهم الشخصية، فعلى سبيل المثال يميل أفراد المجتمع الغربي عند الحديث عن أنفسهم إلى التركيز على الإنجازات الفردية، كما يميل هؤلاء الأفراد إلى وضع الآخرين في قوالب جاهزة وإغفال السياق عند الحكم عليهم، أمّا المجتمع الآسيوي فيغلب على أفراده خلاف ذلك، فعند الحديث عن النفس لا يميلون إلى إبراز إنجازاتهم الفردية وإنما الإنجازات التي تبرز دورهم الاجتماعي، وما دام الشخص ملزمًا بعدة ارتباطات والتزامات في المجتمع الأكبر فلا بد من عدم إغفال وجود الآخرين ومشاعرهم تجاه أي فعل يصدر منه، كذلك لا بد أن يكون المرء مختلفًا باختلاف من يتعامل معه بناءً على ما يقتضيه السياق، فليست هناك قوالب ثابتة يمكن تصنيف الآخرين بناءً عليها.
الفكرة من كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
هل للتاريخ والعادات الاجتماعية واللغة دور في نمط التفكير الذي ينتهجه الإنسان في الحياة؟ هل القاعدة التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع الأجناس والثقافات صحيحة؟ أم إن القاعدة التي تقول إن قواعد الفكر البشري تختلف باختلاف الثقافات هي الأصح؟
يتعرض الكتاب الذي بين أيدينا بالنقد للمُسلّمة الغربية التي تقول إن قواعد التفكير البشري واحدة يشترك فيها جميع البشر، عن طريق عرض وجهة نظر أخرى توضح أن ما يعتبر في نظر العالم الغربي قواعد عامة للفكر الإنساني، قد يكون في حقيقته مجرد عادات مجتمعية وليست قوانين فطرية، وأن أبناء الثقافات المختلفة يختلفون في معتقداتهم ورؤيتهم للعالم بناءً على اختلافهم في أنماط التفكير.
كما يتعرض الكتاب لأهم الاختلافات التي تميز نمط تفكير أبناء العالم الغربي المتمثل في أوروبا وأمريكا، والعالم الشرق آسيوي المتمثل في الصين والدول التي تأثرت بالثقافة الصينية مثل اليابان وكوريا.
مؤلف كتاب جغرافية الفكر كيف يفكر الغربيون والآسيويون على نحو مختلف؟ ولماذا؟
ريتشارد آي نيسبت: عالم نفس، عمل أستاذًا لعلم النفس بجامعة ييل، حصل على درجة الزمالة بمؤسسة جون سيمون جوجنهايم، كما حصل على عديد من الجوائز منها جائزة الإسهام العلمي المتميز لرابطة علم النفس الأمريكية، له عدة مؤلفات منها كتاب “بناء المهارات العقلية: مهارات وأدوات التفكير الذكي “.
معلومات عن المترجم:
شوقي جلال محمد: ولد عام 1931 في القاهرة، عضو المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بلجنة الترجمة، له عدة مؤلفات منها: كتاب العقل الأمريكي يفكر، كما ترجم عديدًا من الكتب، منها: كتاب الثقافات وقيم التقدم.