النظرية الأرسطية
النظرية الأرسطية
من المهم أن ندرس نظرية أرسطو في النفس وفي علاقتها بالإله على الرغم من تعقيدها نظرًا إلى تأثر الكثير من العلماء والفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام بها، والذين نقلوا تعريفه عن النفس الذي يقول فيه إن النفس هي صورة لجسم طبيعي، فهما لا ينفصل أحدهما عن الآخر، والجسم هو البدن والجوهر الذي له حياة بالقوة، أي إنه جسم مكتمل من الناحية التشريحية، ومن الناحية الوظيفية للأعضاء بحيث تكون قادرة على أداء تلك الوظائف بشكل كامل، فالجسم تنقصه فقط الروح التي تكمله وتشرِّفه عن باقي الموجودات، مخالفًا بذلك أستاذه أفلاطون الذي كان يرى أن النفس خارجة عن البدن آتية من عالم علوي لتحلَّ فيه وتدبِّر أمره وتعطيه الحياة والحركة فهي مستقلة عنه، بخلاف أرسطو هنا، فهو يرى أن النفس تُخرج الحياة على الجسم فتتفاعل الأعضاء بها.
مما اشتُهِر به في هذا الصدد أيضًا نظريته في الهيولى، وهي كلمة يونانية، ومعناها المادة أو الجوهر في الجسم القابل لما يُعرض له من أي صورة، فمثلًا: الخشب هيولى والمنضدة صورة لذلك الهيولى الذي هو الخشب، لأننا لو جرَّدنا المنضدة من صورتها التي هي عليها بقي لنا جوهرها وهو الخشب، والصورة التي هي المنضدة هي الموضوع النهائي وغاية الحركة وكمال المادة التي هي الخشب، وبإسقاط هذا على مبحث النفس، فالجسم هو الهيولى أو المادة والنفس هي الصورة والكمال للجسم، وكلما ارتقت هذه الصورة وصلت إلى الصورة العلوية أو الإلهية، هذا على الرغم من غياب مشهد الألوهية في نظريات أرسطو، وهو بهذا التقسيم أفقد كثيرًا من المواد قيمتها، والتي هي مواد قائمة بذاتها لا تحتاج إلى صور بل قد تتحوَّل من صورة إلى أخرى كمثال الخشب الذي ذكرناه، وكالذهب ونحوه ثم من أين أتى الهيولى أو المادة أو الجوهر كما يسميه قبل أن يكون محلًّا قابلًا للصورة! أم أنه وُجِد بوجود الصورة، كيف وهو من المفترض أن يكون سابقًا لها! هذا يعني أن هناك وجودًا سبقه فأوجده، وبالتالي يستلزم هذا التسلسل، مما يفضي إلى بطلان هذا الادعاء وبخاصَّةٍ في ظل غياب الوجود الإلهي في نظرياته، أو حتى وجوده بشكل متعدِّد أو غير فاعل، بمعنى أنه إله ساكن خلق وترك، أو أنها آلهة متعدِّدة.
الفكرة من كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
نعيش في هذه الحياة محاطين بأسئلتنا حول أنفسنا والآفاق والآخرين، علامات استفهام كثيرة نخاف أحيانًا أن نحاول مجرد الاقتراب من مصادر تجيبنا عنها، وكيف لنا أن نثق فيها مع تعدُّدها ومع ادِّعاء كل واحد منا أنها الحصرية بالحق وحدها!
تكمن الإجابة في “الحق”؛ فللحق وجه لا يشبه بقية الأوجه، وجه ثابت على مر الزمان وفي مختلف الأصقاع لا يتبدَّل ولا يتغيَّر ولا يضطرب، وجه آمن ترتمي في أحضانه بغير شكوك ولا ريبة، ستعرفه وحدك، وربما يساعدك على ذلك أن تلقي نظرة على تلك الأوجه المتعدِّدة حتى إذا وصلت إلى الحق أسلمت نفسك له بغير تفكير، تعالَ أُريك جزءًا يسيرًا من اضطراب الإنسان وحيرته وهو بعيد عن الحق، تعالَ أُريك بعض تلك الأوجه، ونصيحتي لا تطِل البحث ولا النقد، فوقتك في النهاية محدود، وأنت تعرف جيدًا فيمَ يجب عليك أن تنفقه!
مؤلف كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
حياة سعيد باخضر: أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.