السرد
هناك أنواع مختلفة من الرواة في الأعمال الأدبية، أشهرهم ما يُطلَق عليه الراوي العليم، وهذا يعرف كل شيء عن القصة التي يرويها، وأحيانًا يكون الراوي في النص غير واضح تمامًا، أو يتظاهر بالجهل، أو لا يوثَق بكلامه، وقد يكون الرواة أقل فهمًا لما يروونه ويكون القارئ أقدر منهم، وأحيانًا يكون الراوي مخادعًا عن قصد.
تكمن الصعوبة لدى القرَّاء في الابتعاد عن منظور الشخصية التي يرون الأحداث بعينيها، لكن قد يُفلح ذلك، كما في رواية “الحارس في حقل الشوفان” التي يقوم بطلها المراهق بالحكي ولاقى شعبية كبيرة، إذ إن طريقة السرد الوحيدة التي لا يمكن أن تتعرَّض للنقد أو الشك هي السرد بضمير الغائب لأنه صوت القصة نفسها.
أما الراوي العليم فيمكننا الشك في أن يكون لديه تحيُّزات معينة، ويظهر ذلك عندما تبالغ الرواية في تقدير إحدى شخصياتها عن الباقين، وقد تتناول روايات كاملة بطلها بتحيُّز واضح كما في رواية “أوقات عصيبة” لتشارلز ديكنز التي تدعونا للإعجاب ببطلها ستيفن الرافض الانصياع لضغوط نقابات العمال مع أنه في الحقيقة لا يملك وعيًا سياسيًّا، وقد لا تتخذ الرواية أي موقف تجاه أبطالها.
بجانب نوع الراوي قد نجد فروقًا بين ما يوحي به السرد وما يقوله بالفعل، وقد يتلاعب الكُتَّاب بالسرد نفسه لتلبية أهدافهم القصصية، كما في رواية “جين إير” التي تقتل زوجة روتشستر حتى تتزوجه جين،وقد يحاول السرد تصحيح أخطاء الواقع من خلال مكافأة أصحاب الفضيلة ومعاقبة أصحاب الرذيلة، كما في العصر الفيكتوري الذي آمن أن من وظائف الفن رفع معنويات القراء.
وبالتالي يمكن النظر إلى الروايات الواقعية باعتبارها وسائل لحل مشكلة، وعلى النقيض منها نجد الأعمال الأدبية الحداثوية تهتم بالكشف عن المشاكل وليس الحلول، وتخاف من فكرة السرد الذي يفترض وجود شكل حسن للعالم وطريق محدد للأسباب والنتائج، وهذا ليس حقيقيًّا، كما تلجأ الحداثة إلى التحوير والغموض بدلًا من السرد المباشر للقصة، لأنها ترى أنه لا يمكن لقطعة أدبية أن تروي الواقع كما هو.
يعتقد الكثيرون أن السرد والحبكة شيء واحد، مع أن الحبكة مجرد جزء من السرد، ويتضح الفرق بينهما عند النظر إلى روايات أجاثا كريستي التي تعتمد على الحبكة بشكل كلي تقريبًا وتُهمل ملامح السرد الأخرى، مثل الرمزية والحوار ورسم الشخصيات والتأمل، فالحبكة هي الأسلوب الذي ترتبط به الأحداث والشخصيات والمواقف، وهي تمثِّل منطق السرد.
الفكرة من كتاب كيف نقرأ الأدب
يبدو فعل القراءة فعلًا سهلًا مقارنةً بدراسة الفيزياء مثلًا، ومع ذلك كثيرًا ما نجد أنفسنا في حضرة الحديث عن كتاب ما ونجد أننا نفتقر إلى العبارات المناسبة لوصفه، لهذا نقدم هذا الكتاب الذي يمنحك بعض الإرشادات لتفادي تلك المواقف مرة وإلى الأبد، حيث يتناول الكتاب خمسة محاور أساسية يجب علينا النظر فيها عند قراءة أي عمل أدبي، أو حتى كتابته، فهذه المحاور ستساعدنا على فهم العمل الأدبي ومن ثم تحليله وتقييمه.
مؤلف كتاب كيف نقرأ الأدب
تيري إيجلتون: منظِّر أدبي بريطاني، وناقد، ومفكر عام، ويعمل حاليًّا أستاذًا في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، ويعدُّ الناقد والمنظِّر الأدبي الأكثر تأثيرًا في إنجلترا.
من أعماله: “نظرية الأدب”، و”فكرة الثقافة”.
معلومات عن المترجم:
الدكتور محمد درويش: مترجم عراقي، بدأ بالترجمة منذ السبعينيات، ثم عمل مترجمًا في دار المأمون للترجمة والنشر منذ بدايات تأسيسها حتى تقلَّد منصب رئيس الهيئة الاستشارية للمجلات الصادرة عن دار المأمون، وترجم عديدًا من المقالات من وإلى الإنجليزية.
من ترجماته: “لقيطة إسطنبول”، و”الكفارة”.