ما حقيقة الفراق؟
ما حقيقة الفراق؟
الكثير منَّا يرتبط بالأشخاص والأشياء، بل حتى الأوقات التي لها من الأثر الطيب في نفسه، ولا يكون قادرًا على التخلّي عنها، ففي تلك الحالة نكون قد اعتمدنا على علاقاتنا لإشباع حاجاتنا، فسمحنا لها أن تحدِّد أحزاننا وأفراحنا، فالتعلُّق الشديد جعل النفس مُهيَّئة للإصابة بالإحباط والانكسار بمجرد فقد هذه الأشياء، أو سير الأمور بصورة مختلفة غير التي كانت مُتوقَّعة، نحن بحاجة هنا إلى فك هذا الارتباط، والألم هو شكل من أشكال فك الارتباط، والألم علامة على تعلُّقنا بما هو غير حقيقي، فكل ما نتعلَّق به يتحوَّل إلى عائق في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، فالألم بحد ذاته إشارة ندرك من خلالها بطلان ما تعلَّقنا به من دون الله.
إن أعباءنا لن يعيننا على تحمُّلها إلا الله، ومن خلال قوله تعالى ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ يتبيَّن أن هناك عروة واحدة دائمة هي المصدر الذي يمكننا الاعتماد عليه، منه تتحدَّد قيمتنا، ذلك المصدر هو الله (عز وجل)، فنحن البشر جُبلنا على البحث والتعلُّق بما يتصف بالكمال والأبدية، جُبِلنا على البحث عما هو خالد، فنحن لم نُخلق لهذه الحياة الفانية، فمسكننا الأوَّل في الجنة، وهو مكان الكمال والخلود، لذا نفشل ونتألَّم حين نبحث عن الكمال في الدنيا لأن هذا يتعارض مع ما جُبلنا عليه، فالفراق الحقيقي هو أن يفقد الإنسان حقيقته.
ومن الخطأ الفادح أن يضع توقُّعاته وآماله في المكان الخاطِئ، وأن نجعل أرواحنا في حالة اعتمادٍ على شيء غير ثابت، فهذا سيجعلها غير ثابتة، فالناس أدوات يسخِّرها الله، لكن ليسوا مصدر النجدة والعون والنجاة، فالمصدر الحقيقي لذلك هو الله (عز وجل)، فالواجب أن نجعل علاقاتنا ومصدر سعادتنا بالله.
وبالعودة إلى الوراء قليلًا نُدرك حقيقة كُبرى، وهي أننا قد نُزعنا من بيئتنا الأولى، حين هبطنا من السماء إلى الأرض، سافرنا إلى عالم أدنى فلم نعد نرى الله (عز وجل) في الحيز المكاني نفسه، لم نعد نشعر بالأمان، فترك هذا الانتزاع جُرحًا بالغًا، وكلما كبرنا كان هذا الجرح أكبر وأكبر، فنحن بحاجة إلى ملء هذا المكان الخاوي، فنتعثّر ونُخطئ، لكن كان المقصود من تلك العثرات هو رؤية الله عز وجل من خلال تدبيره، من خلال خلقه في السماوات والأرض، ففي كل سقوط وفي كل ذلَّة لا تجعل الشيطان يخدعك، بل دع الذلة تجعلك شاهدًا على رحمة الله التي تنقذك من ذنبك.
الفكرة من كتاب استرجع قلبك
يحاول الكتاب في تجربة فريدة إيقاظ القلوب وتقديم منظور مختلف لمعاني الحياة، فما حقيقة الحب والألم؟ وهل التصوُّرات تجاه علاقاتنا بالله وبمن حولنا صحيحة؟ هنا تتناول الكاتبة هذه التساؤلات مُضيفة إليها قدرًا من الهدوء والسلام والنفسي.
مؤلف كتاب استرجع قلبك
ياسمين مجاهد: كاتبة ومتحدثة، حصلت على البكالوريوس في علم النفس، والماجستير في الصحافة والإعلام، وقد درَّست الدراسات الإسلامية بعد إتمامها الدراسات العليا، وهي كاتبة عمود في صفحة الشؤون الإسلامية بجريدة “إن فوكس نيوز”، تعمل حاليًّا كاتبة ومتحدثة على موقع “هاف بوست”، ولها برنامج على إذاعة “راديو نيو ليجاسي” تتحدَّث فيه عن الصفاء والطمأنينة.