كيف سرق الغرب صوت العرب؟
كيف سرق الغرب صوت العرب؟
صحيح أن المستعمر استغني عن الاحتلال العسكري، ولكن قد تكون الحرب النفسية أكثر ضررًا على النفس والوطن من السلاح، فقد نال العرب حملة واسعة ممتدة من التحقير شملت تفضيل لون على آخر، ولغة على أخرى، وثقافة على غيرها.
فالقوي الغربية في كل حروبها، وتطلعاتها الاستعمارية وجدت مبررات لتجميل القبح في شعارات نبيلة، ففي أثناء الهجوم على العراق زعمت أمريكا أنها تضحي بمالها وأبنائها لأنها تريد إرساء الديمقراطية والقضاء على الدكتاتورية في العراق، وعهدت إلى نظريتها الشهيرة بأن العرب والمسلمين عمومًا غير مؤهلين لحكم أنفسهم، ولن يستطيعوا تحقيق تنمية اقتصادية لعيوب كامنة فيهم.
وبمجرد أن احتلت الولايات المتحدة العراق، ظهر وجهها الحقيقي فسيطرت على آبار البترول، وأجرت الاتفاقات الدولية التجارية، ولم تترك للشعب العراقي إلا الويلات والدمار. ومع العراق تعرض السودان ومصر وبالتأكيد فلسطين لتلك التدخلات الأمريكية التي لا هدف منها سوى تحقيق مصالحها الاقتصادية.
واستمر التدخل الأمريكي في الشأن العربي، فسعت أمريكا لتغيير مناهج التعليم العربية، ووضعت مبررات وشعارات واهية لذلك بأنها تريد انتشال الشعب العربي من جهله وتخلفه، وخلف تلك الشعارات كانت تسعى إلى جعل العرب أكثر خضوعًا للسياسات الأمريكية، وأكثر قبولًا للتصالح مع إسرائيل، بالإضافة إلى إحلال الثقافة الغربية داخل العالم العربي، وحينها ستزيد فرص نفوذ الشركات التجارية الغربية، فالمصلحة الأمريكية والإسرائيلية تعتمد بشكل أساسي على تخلف العرب لا تقدمهم.
وكانت من أهم وسائل غسيل الدماغ الجماهيري “وسائل الإعلام”، التي بدلًا من أن تنقل الحقائق دون تزييف أو نفاق، اختارت لغة التضليل لخدمة جهات بعينها والترويج لأفكارها وسياساتها، وإذا بالمشاهد يعتقد أنه قد تلقى معلومات محايدة، وهو في الواقع قد تعرض لمعلومات متحيزة، مرت بمراحل جعلتها أكثر تلونًا منذ وقوع الحادثة حتى وصول الخبر إلينا. وأي محاولة لكشف الحقيقة وراء تلك العبارات المُعلنة يُطلق عليها “نظرية المؤامرة”،
فاعُتبرت وسائل الإعلام مستعمرًا مستترًا لئيمًا، يحول الناس إلى قطيع مطيع ومسالم.
الفكرة من كتاب عصر التشهير بالعرب والمسلمين نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001
إن العرب والمسلمين ظلوا لقرون عديدة أكثر أمم الأرض تقدمًا في جميع المجالات، وحتى في آخر قرنين ظهرت العديد من التجارب العربية الواعدة التي أجهضها التدخل الأجنبي، فالتاريخ يُثبت أن العرب والمسلمين ليسوا أقل قدرة من غيرهم على تحقيق نهضة شاملة، فقد كان الوطن العربي دائمًا مطمعًا للقوى الخارجية، ومع غياب أي رادع للاعتداء الغربي والصهيوني، عاش الإنسان العربي في سياق ثقافي عالمي ساهمت المؤسسات والأنماط السائدة في إفقاره وتهميشه.
إن ثمة حربًا واسعة وكبيرة تُشن اليوم ضد العرب والمسلمين، من إنزال القوات العسكرية وحتى السيطرة الإعلامية وتزييف وعي الجماهير، فالغرب في النهاية قد اتخذ من الأفكار الأكثر خبثًا مِشجَبًا ليعلن الحرب على الإسلام، ويكون هو عدوه الأيديولوجي الجديد الذي يمكن استغلاله من أجل تحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية.
مؤلف كتاب عصر التشهير بالعرب والمسلمين نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001
جلال أمين: وُلد عام 1935م، هو عالم اقتصاد وكاتب ومفكر مصري بارز، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، وعمل أستاذًا للاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأستاذًا زائرًا للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا.
أهم مؤلفاته:
ماذا حدث للمصريين؟
عصر الجماهير الغفيرة.
خرافة التقدم والتأخر.