لذَّة بلا ألم
لذَّة بلا ألم
يتحرَّك العالم بشكلٍ مضمرٍ وواضح في اتجاه تصوير الألم على أنه العدو اللدود، حتى أنه يبرِّر باتجاه الدكتور براند في تفسير الألم على كونه هبة، وذلك لتعامله مع فاقدي الإحساس به ليس أكثر، فهو نتيجة قاصرة لانغماس غريب الاتجاه، ويظهر هذا بوضوح في الإعلانات التجارية حتى تلك التي تروِّج للعقاقير الطبية، حيثُ تظهِر أن الدواء الأكثر فاعلية هو الدواء المُهدِّئ للألم، إذ إن الإنصات إلى الألم هو نوع من أنواع الإنصات إلى الجسم المادي والمعنوي، وهذا السعي الدائم للتسكين ما هو إلَّا بمثابة فصل جرس الحريق حتى لا تعم الضوضاء المكان.
لقد طرح الدكتور براند سؤالين على مدار تعمُّقه في فلسفة الألم وأثرها في الجسد والنفس الإنسانية، الأول هو لِمَ يكون الألم مُزعجًا؟ والثاني هو لماذا يستمر الألم؟
حصد الإجابة الداعمة لوجهة نظره حيال الألم والتعامل معه، فالإزعاج الناتج عن الألم هو ما يجعله أمرًا فعَّالًا محفِّزًا للحركة والسعي إلى العلاج، أمَّا عن سبب استمرار الألم فقد كانت الإجابة في موقف يدعو للتأمُّل والوقوف، فقد حاول الدكتور براند صناعة نظام عصبي حسي بديل لمرضى الجُذام كوسيلة من وسائل الاستشفاء، غير أنه حينما رأى أحد المرضى يقوم بفصل أحد الأسلاك حتى يُجنِّب نفسه الألم في أداء مهمته، ومن ثمَّ توصيل السلك مرة أخرى بعد الانتهاء، أدرك هنا فشل الاعتماد على ذلك النظام الحسي البديل، وأدرك إجابة السؤال عن لماذا يكون الألم مستمرًّا ولا يصحُّ التحكُّم فيه، فإن الألم دائمٌ ما دام الخطر، ولا يزول إلا بزواله،
لذا أخفق النظام الحسي البديل لافتقاره إلى أهم خصائص الألم “مزعجٌ ومستمر”، وعلى مدار عقود ظلَّ الدكتور بوند ممتنًّا للألم، لأنه عارفٌ بمعنى الحياة دون هذا الألم، وقد عاين كذلك أثر السعي وراء تجنُّبه، أو التعرُّض للألم عمدًا حتى لا يجابه الألم المفاجئ، وفي الهند اختلف اتجاه التعامل مع الألم كُليًّا عن الغرب، فقد اعتمد على مجابهة الإحساس بالألم عوضًا عن تجنُّب مسبِّبات الألم الذي لا يكون للإنسان عملٌ في تكوينها.
الفكرة من كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
هذا الكتاب بمثابة مذكرات شخصية للدكتور بول براند في رحلته التي تنقَّل فيها بين أعماق الفقر إلى أقصى أنواع الرفاه، وبين أحوال المجذومين في الهند، وأحوالهم في الولايات المتحدة، وقد حاول على طول هذه الرحلة الإجابة عن أسئلته المتعلقة بالألم، وفلسفته، وأثر غيابه في نفس الإنسان في مقابل غيابه من جسده.مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
مؤلف كتاب هبة الألم: لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك؟
بول براند: طبيب جرَّاح وُلِد في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1914م لأبوين تبشيريين بالديانة المسيحية، وقد كان من أهم الجرَّاحين المُساهمين في العلاج الجذري من مرض الجُذام الذي كان من أصعب الأمراض في ذلك العصر، نشأ في الهند مع أبويه ثم انتقل إلى إنجلترا لاستكمال دراسته، ثم عاد إلى الهند مجدَّدًا بعد أن أصبح جرَّاحًا، وأنشأ مشفى لعلاج مرضى الجُذام هناك، ثم عاد إلى الولايات المتحدة بعد 19 عامًا من العمل في الهند، وتوفِّيَ عام 2003م عن عمر يناهز الثامنة والثمانين، وله من الكُتب: “الموسم الأبدي”، واشترك مع فيليب يانسي في كتاب: “في صورته”، و”صُنع بعجب وتفوُّق”.