مبانٍ لُغويّة
مبانٍ لُغويّة
تكمُن الصعوبة الكُبرى في التراكيب، في بناء الجملة أو نظامها، خصوصًا فيما يتعلّق باللغة العربية، لأنها لغة زاخرة بالمعاني ومُترادفاتها، وتتعدد مستويات المعنى كذلك، فهي لُغة لها تراثٌ ضخم، وحديثًا تم استحداث لغة عربيّة فصحى معاصرة، عبارة عن مزيج من العربيّة التراثيّة والعاميّة المصريّة بمستوياتها المُختلفة، وهي لُغة محتفظة بالقواعد النحويّة للفصحى التراثيّة، لكنّها تختلف في التراكيب والألفاظ، ومن الجليّ أن الزهو باللغة العربيّة التراثيّة، والعِلم بها قد خبا، وقد ساهمت الترجمة الحديثة في تغير كبير في تراكيب اللغة العربيّة الفصحى، مما جعل أبنية اللغة العربية الفصحى وتراكيبها تشبه بشكلٍ كبير أبنية اللغة الإنجليزيّة وتراكيبها، وكان المدخل إلى هذا التحوّل الكبير وجذر المُشكلة هو سعي المُترجم إلى الأمانة النصيّة،
وتجنّب إدراج التغييرات وإعادة الصياغة قدر الإمكان، غير أنّ للغة العربيّة التراثية خصائص وتراكيب تختلف عن نظيرتها في اللغة الإنجليزيّة، فلا يُستخدم المبنيّ للمجهول إلّا إذا جُهِل الفاعل ولم يُذكر في الجُملة، على عكس اللغة الإنجليزيّة التي تذكر الفاعل في نهاية جُملة المبني للمجهول، باستثناء أنّ العبارة الإنجليزيّة في لغة الصحافة المُعاصرة تتضمن مزيجًا من العبارات المبنيّة للمجهول التي يُذكر فيها الفاعل، والعِبارات المبنية للمجهول التي لا يُذكر فيها الفاعل، وفي حالة تعرّض المُترجم إلى ترجمة جُملة من الإنجليزيّة إلى العربيّة فيلزمهُ إغفال الفاعل حتى لو كان معروفًا بالمنطِق من سياق الجُملة،
وللوهلة الأولى قد يبدو للمُترجِم أن ترجمة الجُمل المبنيّة للمعلوم أيسر من ترجمة الجمل المبنيّة للمجهول، وذلك لوضوحِ عناصِرها في أغلب الأحوال، وفي هَذا خلطٌ غير صحيح، ففي لغة الصحافة بشكل خاص كثيرًا ما تكون الجُمل المبنيّة للمعلوم خادعة، وتحتاج من المُترجم إلى تفكيك النص إلى عناصر، أو مُكوّناتٍ منفصلة ومن ثَمّ إعادة صياغتها تقريبًا بشكلٍ مُتسلسل قريب إلى الذهن.
الفكرة من كتاب فنّ الترجمة
هذا الكِتاب هو عرضٌ لبعض القضايا المُتعلّقة بفنّ الترجمة، والمذاهب المُتّبعة في أبوابها، وهو موجهٌ بشكلٍ رئيس للمُبتدئين في هذا المجال، وهُم المُحيطون إحاطة مقبولة باللغتين العربيّة والإنجليزيّة، لكن تنقصهم الخِبرة الكافية للجمع بين نقل المعنى الذي أراده الكاتب بدِّقة من غير إنقاص أو تركيك، وقد ركّز الكاتب على المشكلات الشائعة التي يقع فيها أغلب المُترجمين بناءً على خبرته الطويلة في هذا المجال، وبسبب قناعة الكاتب أن التطبيق أجدى من النظريات المُجرّدة، فقد تعامل مع الترجمة على أنها في أصلها فنٌّ تطبيقيّ،
يحتاجُ إلى المِران والمُمارسة حتى يصل المُترجم إلى المستوى المنشود الذي يليق بهذا الفنّ، ولا يُوجد طريق مختصرٌ لحصولِ ذلك، والتطوّر الحاصل في الحياة الثقافيّة يؤثّر بدوره في اللغة وتركيبها مما يؤثر في الترجمة بالتبعيّة، إذ ليس على الترجمة سيّد، والمترجم غارق في الكثير من المُشكلات التي يواجهها في عمليّة الترجمة، لذا وُجِّه هذا الكتاب حتى يكون أول الخيط في سبيل توجيه المُترجم إلى الحلول العمليّة.
مؤلف كتاب فنّ الترجمة
محمد العناني: كاتب مسرحي وأديب وناقد ومُترجم مصريّ، وُلِد عام 1939م، بمدينة رشيد محافظة البحيرة، حصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزيّة وآدابها من جامعة القاهرة عام 1959م، التي عَمِل فيما بعد مُحاضرًا بها بعد حصوله على شهادة الدكتوراه، كما حصل على شهادة الماجستير من جامعة لندن عام 1970م، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ريدنج عام 1975م. لُّقِّبَ بعميد المُترجمين، ورأس قسم اللغة الإنجليزيّة بجامعة القاهرة لستّة أعوام، لهُ العديد من الكتب المُترجمة والمؤلفات الإبداعية، والنقديّة منها: الترجمة الأدبيّة بين النقد والتحليل، والترجمة الأسلوبيّة.